قبل توقيع الإتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى، كانت الولايات المتحدة تقف بوجه التفاوض مع طهران، ويومها لعبت ألمانيا دورا أساسيا في جلوس الجميع على طاولة التفاوض ونجحت بذلك، وبعد خروج أميركا من الإتفاق النووي، حاولت ألمانيا التدخل مجددا للحفاظ على الإتفاق، كونه أتى بعد جولات عديدة من التفاوض المتعب، واليوم، كما كشفت "النشرة" في مقال سابق بتاريخ 4 آب، بعنوان "مفاوضات أميركية إيرانية تقترب من خواتيمها ولبنان يترقّب: "اذا ما كبرت ما بتصغر"، يبدو أن الدور الألماني الذي عاد الى الواجهة، نجح في تحقيق خروقات مهمّة بين الطرفين. لطالما لعبت ألمانيا دور الوسيط بين حزب الله واسرائيل في عمليات التبادل، وذلك قبل أن تتخذ المانيا موقفا قاسيا بوضع حزب الله على لائحة الإرهاب، ولكن علاقتها بطهران لا تزال ممتازة، خصوصا أن برلين تشكّل شريكا تجاريا استراتيجيا لإيران، اذ تستورد الأخيرة ثلث صادراتها الاوروبية من الاولى، وبقيمة 3 مليارات يورو تقريبا. ولكن هذا الرقم تضاءل الى الثلث تقريبا عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب خروج بلاده من الإتفاق النووي، وأعاد فرض العقوبات على إيران، وانخفضت أعداد الشركات الألمانية داخل طهران من حوالي 125 الى 60 شركة، الأمر الذي تسبب بأضرار اقتصادية كبيرة للطرفين، وهذا أساس محاولة ألمانيا لعب دور الوسيط بالتفاوض. وفي سياق الحديث عن وساطة ألمانيا بالتفاوض بين أميركا وإيران، نقلت وسائل إعلام إيرانية عن "اتفاق مرتقب لإلغاء بعض العقوبات الأميركية على إيران"، وأشارت وكالة ايرنا الإيرانية عن مصدر مطلع قوله أن "ألمانيا بدعم من بريطانيا اقترحت على أميركا إلغاء عقوباتها غير الهادفة التي يقع غالبية تاثيرها الاقتصادي على الشعب موقتًا، على أن ينتهي تقييم واشنطن لهذا الموضوع خلال 10 أيام، بالإضافة الى أن وجود "مقترح ألماني يتضمن تعبيد طريق التفاوض بين إيران والسعودية". كعادتها، نفت بعض وسائل الإعلام الإيرانية الأمر، مشيرة الى أن لا وجود لتفاوض بين الطرفين، ولكن هذا التضارب بالمعلومات هو جزء من قوة إيران التفاوضية، اذ لا يخفى على أحد أن إعلان التوصل لإتفاق نووي عام 2015، شكّل صدمة للمتابعين، لأن إيران كانت تنفي بشكل دائم اقتراب التوصل لاتفاق. إن "تلطيف الأجواء" المشحونة بين إيران وأميركا، سينعكس إيجابا على لبنان، خصوصا أن الصراع في المنطقة ليس مخفيّا، ولبنان يشكل جزءا منه، ويمكن اعتبار القبول الأميركي بالرأي الفرنسي القائل بأن العقوبات تؤتي بمفعول عكسي على واضعيها، يسري على لبنان وإيران، اذ لا شكّ أن سياسة العقوبات لم تُحقق للأميركي أي فائدة، في البلدين، بل على العكس تماما، كانت الأمور تتجه نحو مزيد من التأزيم فيما يخص المصالح الأميركية في المنطقة. يبدو أننا دخلنا في مرحلة التفاوض والتسويات على صعيد الملفات الحساسة في لبنان والمنطقة والعالم، فهل تحمل الأيام المقبلة مزيدا من الإشارات الإيجابية، أم تفشل الوساطات والمبادرات، ونجد العالم على شفير حرب؟.