عندما نخسر البشر، فلا قلق على الحجر، ولكن في بيروت علينا أن نقلق من كل شيء، وعلى كل شيء، خصوصا بظل وجود "الغربان"، التي تقتات على جثث الناس، والتي رأت بالإنفجار والدمار فرصة للإنقضاض على تاريخ بيروت، وبيوتها العتيقة التي تحمل في كل منها قصص الماضي الجميل.
أشارت معلومات الى أنه خلال عمل الجمعيات والمنظمات في رفع الأنقاض وترميم ما أمكن ترميمه في الجميزة ومار مخايل، برز رفض بعض مالكي المنازل القديمة، دخول منازلهم، علما أنّها مؤجرّة الى لبنانيين عملا بنظام "الإيجار القديم"، ما يعني بحال صحّت أن هناك محاولة من هؤلاء لاستعادة أملاكهم والاستفادة من الكارثة لتحقيق أهداف سعوا إليها منذ زمن، علما أن مالكين آخرين كانوا على استعداد ربما لبيع ممتلكاتهم لتقديم المساعدة. هذا الى جانب سماسرة العقارات الذين يجهدون لشراء "الدمار".
وفي هذا السياق تؤكد المستشارة القانونية للجنة الاهلية للمستأجرين المحامية مايا جعارة ان المنطقة المنكوبة تشهد منذ اربعة ايام هجمة غير مسبوقة لسماسرة الشركات العقاريّة ووحوش المال، بعضهم معروفون بالأسماء، وغيرهم متخفّين وراء واجهاتٍ مزيّفة، ومطورّين عقاريين، متمولّين جشعين، وهم وجهان لعملة واحدة معروفة الأهداف ألا وهي تغيير وجهة وهوية وتراث المنطقة المفجوعة.
وتكشف جعارة عبر "النشرة" أن بعض المخاتير، أكّدواوجود من يبحث ويتحرّى عبر أهل المنطقة من جهة، وفي السجلات وعبر الافادات العقاريّة لهذه البيوت من جهة اخرى، عن اسماء أصحابها، وأرقامهم، تحضيراً للإنقضاض على فريستهم الجريحة بغية زيادة اموالهم المكدّسة غير آبهين بالاحتفاظ بالوجه الحضاري للعاصمة وبإرثها المعماريّ الجميل وبسقوفها العالية وقناطرها المعقودة وحدائقها.
وتشدّد جعارة على أن ما يزيد القلق هو أن هؤلاء لا يفكرون بالترميم، بل بهدم تلك الابنية وتغيير معالم المدينة، وتاريخها، وتحويلها الى أبراج باردة خاصّة وأن عامل الاستثمار مرتفع جدا في المنطقة (zone3 و4) ، فضلًا عن تهجير أصحابها وسكّانها الأصليّين.
الحلول كثيرة لمنع وقوع الضرر مرتين، وتحمّل تلك المنطقة وزر الإنفجار، وتداعياته على مسار مستقبلها، ومن ضمن الحلول بحسب جعارة، الطلب من الدول المانحة التعاون وتقاسم الشوارع ليصار الى إعادة ترميم الأبنية المتصدّعة،وإعادة الوضع الى ما كان عليه قبل الانفجار دون إحداث تغييرات في الوضع الديمغرافي للمنطقة،فالاولوية اليوم هو التدعيم الهندسي للأبنية بأسرع وقت ممكن ففصل فالشتاء على الأبواب.
إن هذا العمل يُفترض أن يسير بالتوازي مع قانون يصدر عن المجلس النيابي، يمنع إجراء البيع بجميع أشكاله بما يخص تلك المنطقة، اعتبارا من يوم الرابع من آب 2020. أما بالنسبة الى المستأجرين القدامى، فمن المعروف أنّ هذه المنطقة من بيروت ولا سيما منطقة الرميل فيها أكبر نسبة من المستأجرين والمطلوب من المالكين، بحسب جعارة، التصرف بمسؤولية وطنية، مشيرة الى أن قانون الإيجارات الجديد المتعلق بقدامى المستأجرين انصف المالك بشكل كبير وحدّد بدل إيجار المأجور بـ4 بالمئة من القيمة البيعيّة للشقة، وممنوع استغلال هذا الوضع لأهداف لا تليق بهول الحادثة.
وأشارت جعارة الى وجوب التصدّي للمالك في حال حاول هذا الأخير منع الجهات المانحة من الكشف على الأضرار، وصولا الى إنذاره أصولا وتبليغ البلديّة والجهات المعنيّة بالتراث بكتاب رسمي بذلك،أو في حال شعروا بنوايا مبيّتة غير صافية. ولكن هذا الأمر لم يوثّقه أحد سوى تقارير إعلاميّة، وهذا ما يؤكده رئيس نقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجّرة باتريك رزق الله، مشيرا الى أننا حاولنا البحث عن شخص واحد تلقّى عرضا لبيع أرضه، فلم نجد.
ويضيف في حديث لـ"النشرة": "لا يريد أيّ مالك أن يبيع ملكه، بل هناك 40 مبنى بخطر السقوط، وأصحاب هذه المباني يناشدون الدولة التدعيم والترميم، لان المالك لا يتحمل مسؤولية الإنهيار بحالة القوة القاهرة"، مشددا على أننا طالبنا بخروج السكّان من المباني المهدّدة لأننا لا نميّز اليوم بين مالك ومستأجر بل ننظر للمواطنين على أنّهم أرواح بحاجة الى الحماية.
ويناشد رزق الله عبر "النشرة" القيّمين على منطقتي برج حمود وسن الفيل، التدّخل والكشف على الأضرار، بسبب وجود مبانٍ قديمة تضرّرت، مشدّدا على أنّه لا يحق إخراج المستأجر، ولا نيّة لأحد الاستفادة من الإنفجار على حساب الناس.
اليوم سيُعاد بناء ما تهدّم عبر المساعدات الماليّة الدوليّة والداخليّة، وسيكون المالك قد كسب منزلا جديدا ببناء جديد بدل المنزل القديم الذي كان بحاجة الى أموال طائلة لترميمه، ولكن عليه أن يضحّي عبر التعهّد مثلا بإبقاء المستأجر القديم ضمن المنزل لعشر سنوات على الأقل مقابل بدل إيجار رمزي، وهكذا يكون الجميع قد كسب.