لم يكن إنفجار مرفأ بيروت إنفجاراً ذريّاً ولم يخلّف سُحباً تحمل إشعاعات ذريّة تلوّث الفضاء وتبقى فيه لفترات تقصر وتطول، لكنه كان إنفجاراً هائلاً بقوة تدميرية خارقة حمل كمية كبيرة من ملح نترات الأمونيوم لأسباب طال التكهّن بها.
انَّ ما حصل في مرفأ بيروت، قد يكون عملاً تخريبيّاً مُدبّراً ومؤامرة عالية التخطيط والتنفيذ، وفي تفاصيلها وسر اسرارها والرأس المُنفّذ هو التاجر، صاحب شحنة نترات الأمونيوم.
ما أسبابُ لجوء السفينة الحاملة لشحنة نترات الأمونيوم إلى ميناء بيروت بالذات؟ قد يقولُ قائلٌ: لتفريغ شحنة معداتّ ثقيلة لا تتحملها السفينة وللتزوّد بالوقود، لماذا ترك صاحب الشحنة طاقم قيادتها بدون أجور ولا طعام وشراب؟ لِمَ لمْ يُسدد الأجور المترتبة على بقاء السفينة في مرفأ بيروت؟ هذا هو السؤال: هل جرت الأمور حسب المخطط المرسوم القاضي بإفتعال أزمة مالية بين صاحب الشحنة ومرفأ بيروت، التاجر عاجز عن التسديد، بحارة السفينة محتجزون في السفينة لا مال لهم ولا طعام، فما الحل إذاً؟ أن يتنازل التاجر،عن شحنة نترات الأمونيوم ويتم حجزها وتخزينها في أحد مخازن مرفأ بيروت، هل كان هناك تواطؤ مقصود ومدبّر بين التاجر وعنصر أو عناصر من المسؤولين في مرفأ بيروت؟
الانفجار جاء بعد أن شهدت شوارع بيروت مظاهرات واسعة ضد الفقر والجوع، وفي ظل النقاشات والمداولات للخروج من الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تهدد لبنان وتحوله لدولة فاشلة، وفي خضم جائحة كورونا التي لها آثار مدمرة على الاقتصاد اللبناني والعالمي.
انفجار المرفأ يتحمل مسؤوليته جميع المسؤولين اللبنانيين، وسببه بالأساس الصراعات الطائفية العميقة التي تشكل خطرًا حقيقيًا على المجتمع اللبناني ووحدة الشعب اللبناني.
فالطائفية هي مصدر الفتن والاحتراب الداخلي، والسبب الحقيقي للحرب اللبنانية التي ما زال لبنان يعاني آثارها حتى الآن، حيث أحرقت الاخضر واليابس.
أطاح الانفجار بحكومة رئيس الحكومة الأسبق حسان دياب، الذي حمل على كاهله كل الأعباء الاقتصادية والمالية، والسرقة والفساد، وكان يجدر به مصارحة الشعب اللبناني، وفضح الجميع بكشف كل ملفات الفساد التي تدينهم، بعدما دفَعتّ حكومته ثمناً كبيراً لاخطاء وذنوب ارتكبتها حكومات الاسلاف،
ولو ألقي القبض على فاسد واحد، كان بطبيعة الحال سيفضح معاونيه من مخططين ومرتكبين، ولربما يوصلنا الى خيط رفيع عن ما جرى في مرفأ بيروت.
يبقى الأمر المهم هو بقاء الملف تحت أمرة الجيش اللبناني الذي يثق به اللبنانيون والعالم، وكذلك القضاء الكفوء عبر المجلس العدلي في التحقيق، لتقديم المقصرين المغرضين الى محكمة العدل الوطنية للقصاص ممن يستحق القصاص، وإعادة بناء المرفأ الى ما هو أفضل.
لقد ضاقت الأحوال ذرعاً ببيروت، لكنها ستنفرج وتتيسر ما دام فيها مِن المخلصين مِن أبنائها مَن يستوعب الصدمة ولن يختبىء خلف الركام.