اعتبر الشيخ أحمد قبلان أن "التجارب تؤكّد أن من لا رقيب عليه ولا حواجز تمنعه يفسده المال وتفسده السلطة، وهو ما عانينا منه ونعاني منه في هذا البلد، وما نريده وندعو إليه اليوم بكل جدية وواقعية هو حماية هذا البلد عبر صيغة عابرة للطوائف تضمن عيشنا المشترك وأمننا وأماننا وتصون مواطنينا وتؤمّن حاجياتنا. فاللبنانيون بأغلبيتهم ضعفاء وفقراء والضباع تحوم من حولهم، إذ يوجد ما نسبته 90% منهم فقير ومحتاج وعاطل عن العمل ومتروك لقدره، لا رعاية صحية ولا تربوية ولا اجتماعية ولا اقتصادية، وهذا يعني أننا نعيش كارثة حقيقية بكل المعايير بسبب فساد وظلم هذه الطبقة السياسية التي جوعت وأفقرت الناس وأدخلت البلد في انهيار شامل، وحوّلته فريسة تتناهشها حيتان السلطة والمال".
وأشار سماحته في رسالة الجمعة، إلى أننا "أمام مشهدية مأساة كبرى وجريمة موصوفة بحق وطن وشعب كانوا ضحية طبقة سياسية لا تعرف الرحمة، ولا تخاف الله، وفاقدة لأدنى مقومات المسؤولية الوطنية، طبقة نهبت الدولة والناس والآن تلعب بمصير الوطن فيما نيران الكيد والحقد الطائفي والإهمال والفساد وسوء الإدارة التي فجرت مرفأ بيروت لا تزال تستعر لتحرق ليس منطقة معينة من هذا البلد، بل لتحرق كل لبنان، إذا ما بقيت هذه الرموز الطائفية والعصبية تتحكم بالدولة وتتلاعب بمؤسساتها وتتمسك بالفساد والإفساد كسلاح يحميها من المساءلة والمحاسبة ويحول دون قيام الدولة التي يمكن أن تشعر اللبنانيين بأن الأمل ببقاء هذا البلد، بلد التعددية والتنوّع والشراكة الفعلية، لا يزال قائماً، وبأن الإصلاح المنشود ليس بمستحيل إذا ما توافرت النيات، وصدقت التوجهات، وحسمت الخيارات لبلد غير تابع لأحد، بل يتفاعل ويتعاون مع الأقربين والأبعدين في الشرق والغرب على قاعدة مصلحة لبنان ومصلحة شعبه".
وأضاف سماحته:"نحن في أزمة لا سابقة لها ولا خلاص منها إلا بتعاوننا جميعاً، وبتجاوز كل الخلافات وكل الحسابات المصلحية الضيّقة، وباعتراف الجميع بأنهم أخطأوا بحق هذا البلد، وبحق دولته وبحق شعبه وبحق صيغته وبحق هذا الكيان الذي اسمه "لبنان لجميع أبنائه وطناً نهائياً" لأنه لا يجوز بعد الذي حدث وبعد كل هذه الدماء وهذه الأشلاء وهذه التضحيات وهذا الدمار وهذه المآسي التي أصابت كل بيت من بيوت اللبنانيين أن يبقى سياسيو هذا البلد ومسؤولوه وحكامه وزعماؤه ومرجعياته يتعاطون مع جرائم انهيار البلد وتدميره ونهب أمواله وإفقار شعبه بعقلية التحدي السلطوي والطائفي والمذهبي، وكأن شيئاً لم يكن، وبمثل هذه الخفة وهذه اللاأخلاقية السياسية، وهذا الانعدام في الحس الوطني، كما لم يعد مقبولاً على الإطلاق أن تستمر هذه السلطة في جلد شعبها وبلدها، وتأخذنا جميعاً من مصيبة إلى أخرى، دون أن يرفّ لها جفن ونحن نتفرج. فالبلد بلدنا نحن اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، ولن نسمح بأن تستباح حقوقنا وحقوق بلدنا، ولن نكون أصناماً لكل من يريد أن يجعلنا أذلاء أو يتحكم بنا بتهويل من هنا وتهديد من هناك، أو بعقوبة من هنا ومحاصرة من هناك، فالقضية قضية وطن تاريخ وجغرافيا، وإثبات واستمرار وجود، وهذا ما لن نساوم عليه أو نتنازل عنه. وعلى الساسة العقلاء وأصحاب البصيرة والغيرة على هذا البلد المنكوب والشعب المظلوم أن يتكاتفوا ويتعاونوا على ما فيه مصلحة ووحدة هذا البلد. فالكل مأزوم والمطلوب واحد هو إنقاذ البلد وانتشاله من هذه الهاوية التي وقعنا فيها، وهذا لن يكون بذهنية التقاسم ولا بخلفية حصتي وحصتك، فالبلد يحتضر والوقت ضيّق والإنقاذ ليس نزهة. فلنتحرك وبسرعة لتشكيل حكومة جديرة وقديرة ونزيهة تستطيع أن تحكم وتتحمل المسؤولية، وتكون موثوقة، وعلى قدر التحدي لجهة المباشرة بالإصلاحات المطلوبة التي أصبحت ممراً إلزامياً لأي عملية إنقاذ وطني".
ولفت سماحته إلى أن "البلد في خطر حقيقي وداهم، البلد أفلس ليس مالياً فحسب بل في كل الميادين والقطاعات، البلد انهار، وثقة الناس معدومة، والشكوك بهذه الطبقة السياسية وقدرتها أصبحت واضحة، والمزاج الشعبي في حالة يأس وقرف من هذه الطبقة السياسية، ما يعني أن البلد على حافة مصير لم يسبق له مثيل، بل بات مكشوفاً على كل الاحتمالات والسناريوهات التي ليست لصالح أي فريق في هذا البلد، فلا تكابروا أيها المعنيون ولا تضعوا رؤوسكم في الرمال وكونوا متيقظين ولو لمرة من أجل بلدكم وشعبكم، كي لا يلعنكم التاريخ".
وعن انتصار آب، أشار المفتي قبلان أن "14 آب مفصل تاريخي لسيادة بلد تسيّج بالدماء والانتصارات، فهو يوم عظيم، ولبنان كدولة مدين لهذا اليوم، ما يفرض على كل القوى السياسية استثمار هذا الانتصار في الداخل لتأكيد مشروع الدولة العادلة والعيش المشترك والسلم الأهلي والضمانات الاجتماعية التي تبدأ بمشروع خدمة المواطن وتأمين الحد الأدنى من كرامته. فلنعمل على الاستفادة من كل من عرض امكانياته من أجل لبنان المنتصر والممنوع على مشاريع الاحتلال الإسرائيلي وغيره، وحذارِ من لعبة تمزيق البلد والمنطقة، حتى يبقى لبنان الدولة والكيان والوطن".