منذ استقالة حكومة حسان دياب، بدأ الحديث في الأوساط المحلية والدولية حول شكل الحكومة المقبلة، حيث رفعت الخطوط الحمراء أمام تلك التي قد تصنف حيادية، على قاعدة فشل حكومة تصريف الأعمال الحالية، في المقابل كان هناك من يرفع الخطوط الحمراء بوجه العودة إلى صيغة الوحدة الوطنية.
فشل التجربة، التي تمثلها حكومة دياب، لا نقاش فيه، بغض النظر عن أن الظروف لم تكن مشجعة لها، فهي تولت السلطة في مرحلة الانهيار من كافة النواحي، إلا أن ذلك لا يلغي أنها كانت قادرة على القيام بالكثير من الأمور بشكل أفضل. وفي حين لا يمكن الدفاع عن نظرية الحكومة الحيادية بالمطلق، من الضروري الإشارة إلى أن حكومة دياب لم تكن تمثل هذا النوع من الحكومات، فهي كانت تمثل أفرقاء سياسيين محددين هددوا، في أكثر من مناسبة، بالانسحاب منها، حتى ولو كان بعضهم لا يزال حتى الآن ينكر تمثيله فيها.
الحكم بالفشل على التجربة يفترض السؤال عن التجارب السابقة، التي كانت في معظمها تمثل حكومات وحدة وطنية أو لم شمل، فهل هي كانت ناجحة أم كانت السبب في الحال الذي وصلت إليه البلاد، لا سيما على المستويين الاقتصادي والمالي؟ فهذا النوع كان أساس لعبة المحاصصة التي كانت السبب في كل الموبقات التي عرفتها البلاد على مدى سنوات طويلة.
وانطلاقاً من ذلك، يمكن الجزم بأن التجربة التي تريد معظم الكتل الأساسية، في الوقت الراهن، تكرارها لا تقل سوءاً عن حكومة دياب، بل على العكس من ذلك تفوقها بأضعاف، لكن في المقابل لا يجب تجاهل أن فكرة الحكومة الحيادية يراد لها أن تكون بمثابة انقلاب على نتائج الانتخابات النيابية الماضية.
الصراع القائم، على المستوى المحلي، حول شكل الحكومة المقبلة، يعكس صراعا آخرَ على المستوى الخارجي، لا سيما بعد أن تحولت البلاد، على خلفية الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت، إلى حلبة صراع بين القوى الاقليمية والدولية الطامحة إلى حجز موقع لها، بدليل السجال الذي ظهر بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والتركي رجب طيب أردوغان في اليومين الماضيين.
في هذا المجال، يمكن الحديث عن صراع أعمق، ما خفي منه أخطر مما ظهر، تشارك فيه القوى المحلية بشكل أو بآخر، من دون أن تملك أي حس بالمسؤولية، وعملية توزيع الأدوار لا تستثني أيضاً بعض المجموعات المشاركة في الحراك الشعبي، التي تخدم، سواء عن معرفة أو عدم معرفة، مشاريع سياسية مختلفة.
هذا الواقع، يتطلب من تلك المجموعات التفكير ملياً في أي تحرك قد تقدم عليه، في حال لم تكن تريد أن تكون في هذا الموقع أو ذاك، خصوصاً أن بينها من كان يراهن الكثير من المواطنين على أن يكون لهم الدور الإيجابي في الحياة السياسية، الأمر الذي يفرض عليهم ألا يكونوا جزءاً من لعبة قد تقود إلى المزيد من التأزيم أو التدويل.
ما تقدم يدفع إلى السؤال عما إذا كان المطلوب في لبنان البحث في شكل الحكومة المقبلة أو المطالبة بانتخابات نيابية مبكرة، في حين قد يكون من الأفضل حصر النقاش في بعض العناوين الأكثر أهمية، التي تبدأ من الإصرار على التحقيق والمحاسبة في كل الجرائم المرتكبة، في الفترة الماضية، لا سيما على المستوى المالي، مع الحرص على ألا يتم "لفلفة" ملف مرفأ بيروت، وأن تكون المعركة السياسية الوحيدة التي يجب خوضها هي معركة قانون الانتخاب.
في المحصلة، السجال حول "جنس" الحكومة قد يعيق تشكيلها، خصوصاً أنه يتخطى الساحة المحلية، بعد أن بدأت بعض الجهات الاقليمية والدولية تطرح رؤيتها بصورة علنية، وهدفها ليس البحث عما يريده الشعب اللبناني، فتلك الجهات ليست جمعيات خيرية بل لديها مصالح تبحث عن كيفية تحقيقها بأي ثمن.