لم تنس بيروت بعد الجرح البالغ الذي أصابها في 4 آب، حين دمّر عصف ذاك الإنفجار "الزلزال" الحجر والبشر، فمحى معالم كبيرة من المدينة، وترك خلفه العديد من الضحايا والمعوّقين وآلاف العائلات المشرّدة، التي ضاع جنى عمرها في لحظة مصيرية يمرّ بها لبنان.
حينما وقعت "الفاجعة" تعالت الأصوات المستنكرة وبدأ تبادل الاتهامات وانهالت الوعود بتحقيق العدالة ومعاقبة المجرمين. وليلة تقديم الحكومة إستقالتها خرج منها نوع من "أمل" أن القضية لن تموت.
احيل التحقيق بالانفجار الى المجلس العدلي بطلب من رئيس الجمهورية ميشال عون.
وبالأمس أيضاً برز تطوّر هام جداً رفع مستوى المحاسبة من رتبة موظّف الى المسؤولين الحقيقيين عن الفاجعة أي الوزراء، وتم الاستدعاء لعدد منهم الى التحقيق لتكون الصدمة أن هؤلاء لم يحضروا بحجة أنه لا يحق لهذا المجلس التحقيق معهم، وهم يحالون فقط الى المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء حيث مدفن المحاكمات.
"لمحاكمة أي وزير أو رئيس في المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء نحتاج الى عريضة يوقع عليها خمس مجلس النواب، وبعدها إذا كان سيصدر القرار الاتهامي فهو يحتاج الى أكثرية الثلثين في المجلس النيابي ليباشر المجلس المذكور بالمحاكمة". هذا ما يؤكده الدكتور في القانون العام عقل عقل، مشيرا في نفس الوقت عبر "النشرة" الى أنه "يمكن للمحقق العدلي ووفق المادتين 362 و363 من أصول المحاكمات الجزائية ان يصدر جميع المذكرات دون طلب النيابة العامة"، ويذهب أبعد من ذلك ليقول "اذا اظهر التحقيق أن أحداً يساهم بالجريمة فيستطيع استجوابه وحتى ولو لم يرد اسمه في التحقيق أصلاً".
أما الخبير الدستوري الدكتور عادل يمين فيشدّد على أنه "وفي حال اخذ بالتفسير القائل أن صلاحية المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء حصرية فيما خصّ هؤلاء فلا يستطيع، أما اذا اعتبرها اختيارية فطبعا هو قادر على التحقيق معهم". بدوره الخبير القانوني انطوان صفير فيرى أن "المجلس العدلي بمقدوره التحقيق مع الوزراء من دون صلاحية الادعاء عليهم الا اذا احال القضية الى المجلس الاعلى لمحاكمة الوزراء، وهناك اجتهادات تقول انه بحال ارتكاب الوزراء لأفعال جرمية خارج واجباتهم يمكن أيضا محاكتهم خارج المجلس الاعلى".
"إذا المجلس العدلي أخذ باختصاصه فقراره مبرم، ومجرد الاستدعاء لا يعني الادعاء ولا الاتهام". هذا ما يؤكده عادل يمين، لافتا الى أنه "وفي حال قرر المحقق العدلي الاتهام بحق اي وزير ومن ثم احيل بموجب القرار الاتهامي على المجلس العدلي، وقام الاخير بتأكيد صلاحيته فيكون قراره مبرماً". هنا أيضاً يشير عقل عقل الى أن "المحقق العدلي باستطاعته التحقيق مع الوزراء وفيما بعد يصار الى الادعاء بالأفعال الجرمية المنسوبة اليهم، ومن ثمّ يحال الملف الى المجلس النيابي لتسير عبره محاكمة الوزراء من خلال المجلس الأعلى".
بالأمس إجتمع مجلس النواب في جلسة خاصة لم نسمع فيها أو نلمس من خلالها شعور هؤلاء بوجع الناس، فكانت جلسة تشبه الأيام العادية وكأن لا كارثة حلّت بلبنان. وحتى اللحظة يحاول البعض أن يحوّل مجرى القضية لتشبه قضيّة يدفع ثمنها موظف فيما المسؤولون الكبار من العصابات أصحاب "الحصانات" يسرحون ويمرحون.
أمام هذه الجريمة تسقط كلّ الحصانات وفي جلسة مجلس النواب كان يجب أن تسقط كل الحصانات، واليوم أيضا المجلس العدلي ومعه المحقق العدلي أمام تحوّل خطير في القضية فهل يكون التلطّي بالمجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء هروباً من "المسؤولية لدفن القضية، فتقتصر المعاقبة على موظفين دون المسّ بالمسؤولين الفعليين عن المذبحة الجريمة؟!.