منذ إقرار وثيقة الوفاق الوطني في 5 تشرين الثاني 1989، والتي أنهت الأعمال العنفية للحرب الأهلية، التي استمرت منذ العام 1975، وحتى يوم تاريخ تشكيل الحكومة اللبنانية الأخيرة، شهد لبنان 5 عهود رئاسية، تم خلالها تشكيل 18 حكومة تولى رئاستها 9 رؤساء ضمت 453 وزيراً. بعض الوزارات كانت احتكاراً لطوائف وأحزاب معينة ولوزراء معينين.
يحوي لُبنان وللأسف عدداً من المقاطعات الحزبية، التي تحرص على تكريس المحاصصة، من مما أدى إلى أزمات متكررة، فالبلد غير مستقل عن الإرادة الخارجية، مع عدم قدرة الحكومات السابقة على بسط قراراتها دون تدخلات حزبية، كما ان الثقة الشعبية المفقودة بالسلطة امتدت ايضاً إلى المجتمع الدولي الذي لا يثق في خياراتها في ظل اتساع الطائفية والفساد اللذين أديا إلى فشل بناء وطن حقيقي.
الوصول إلى اتفاق حول حكومة جديدة، في الظروف العادية، يستغرق شهوراً عدة، فما بالك في هذه الظروف الاستثنائية، التي تشهدها البلاد بعد انفجار مرفأ بيروت، لكن الأزمة تلد الهمة، فهناك فرصة حقيقية لإزالة غبار الحطام بالعمل على تغيير كلي للمنهجية المعتمدة في التعامل مع الأزمات بإقامة الدولة المدنية العادلة خارج مفهوم الطائفية.
ان تشكيل حكومة في ظل الانقسامات كان مهمة شاقة في السابق. والآن مع تزايد الغضب الشعبي والأزمة المالية الطاحنة، قدّ يكون من الصعب إيجاد من يقبل أن يكون رئيساً للوزراء، ويعيد البلاد إلى معضلة ما بعد استقالة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. غير أن النقاش هذه المرة سيحصل على وقع شارع مدمر وشعب يطالب بالثأر لضحاياه، كما ان المظلة الدولية والإقليمية والعربية لم تتضح صورتها بعد.
أما الدور الدولي فقد برز في مؤتمر الدول المانحة، من خلال رفضها تقديم الدعم للحكومة مباشرة بل عن طريق منظمات ومؤسسات خيرية، وهذا خير دليل على عدم ثقة الدول في حكومة دياب المستقيلة. وتأكيد أن المجتمع الدولي لا يريد أن يغرق لبنان في فوضى، ولهذا قام الرئيس الفرنسي بزيارة بيروت، كونه يدرك تأثير الانفجار على مستقبل البلد، وهناك رافعة دولية تمثلت في مؤتمر الدول المانحة قد تتبلور في البحث عن حكومة جديدة.
وفي ذات السياق نرى أن الموقف الخليجي منقسم على ذاته، ففي حين قدمت قطر دعما مالياً للبنان، فإن السعودية والإمارات اكتفتا بتقديم مساعدات غذائية وطبية، كون الحكومة الحالية داعمة لحزب الله، ولكن مع استقالة دياب قد تكون هناك تغييرات قادمة، من المبكر الحديث عنها.
فبعد كل تلك الضغوط الدولة، هل نرى مؤتمر تأسيسي لنظام جديد، يسقط كل تلك المنظومة الفاسدة، ويساند الشعب اللبناني بتنفيذ الإصلاحات، ولكي لا يتكرر السيناريو السوري من خراب ودمار الذي استمر اكثر من ١٠ سنوات، من هنا تأتي فرصة لبنان الثمينة في الذهاب قدمًا نحو نظام تأسيسي جديد، يمهد للنخب اللبنانية طريقاً سالكاً لإزدهاره وإعادة اعمار بنيانه عن طريق منظومة سليمة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، عبر قوانين عصرية حديثة تتماشى مع التطور والتقدم، بعيداً عن الغرائز الطائفية التي أخلتّ في الامن، أدتّ الى خلافات عميقة، واحتقانات خطرة بين مكونات الشعب الواحد وصولاً الى الاقتتال في ما بينهم ، فشبابنا الحرّ، يتطلع اليوم الى نظام جديد يرضي طموحاتهم يكون حتماً "صنع في لبنان".