رأى الوزير السابق أشرف ريفي أن "عملية اغتيال رفيق الحريري ليست وليدة قرار متسرّع، إنما نتاج مخطط مدبّر اتخذه النظامان الإيراني والسوري ونفّذه "حزب الله" بدعم لوجيستي من الاستخبارات السورية"، مشيرا الى أن "مؤشرات الاستهداف الأمني بعد السياسي، بدأت مع سحب عناصر قوى الأمن الداخلي الذين كانوا مولجين حمايته ومواكبته وكشفه أمنياً، بالتزامن مع إقصاء كل ضباط الأمن الذين كانوا على صلة بالحريري، لإغلاق العيون عن الملفات الأمنية".
وكشف ريفي في حديث لصحيفة "الشرق الأوسط" عن "رسائل أمنية وصلت عن تهديد مباشر لتصفية الحريري، وأنه أبلغ الأخير بمضمونها مرتين، إلا أن الرئيس الشهيد لم يأخذ بها، لأنه كان مطمئناً للضمانات الدولية التي تلقاها بعدم المساس به جسدياً"، معتبرا أن "التداعيات الدولية لإغتيال الحريري أربكت النظام الأمني اللبناني - السوري، ودفعت بمجلس الأمن الدولي إلى إرسال لجنة تقصّي الحقائق برئاسة بيتر فيتزجيرالد، الذي أجرى تحقيقات استمرت شهراً كاملاً وخلص إلى نتيجة مفادها أن النظام القضائي - الأمني اللبناني ليس مؤهلاً لإجراء تحقيق في هذه الجريمة، واقترح إنشاء لجنة تحقيق دولية كاملة الصلاحية وهذا ما حصل فعلاً".
وأكد أن "رئيس اللجنة الفنية في شعبة المعلومات الرائد الشهيد وسام عيد، تمكن ببراعته والتزامه الأخلاقي والوطني، من الإمساك بالخيط الأساسي والأول الذي قاد إلى كشف مرتكبي الجريمة، من خلال تحليل داتا الاتصالات"، مشددا على أن "وسام عيد نجح في تحديد الخطوط الهاتفية التي وضعت الحريري تحت المراقبة المشددة، وكانت تتعقبه قبل شهرين من الاغتيال حتى حدوث الجريمة، وهذه الخطوط تتبع تنقلاته ما بين كسروان وقصره في فقرا (جبل لبنان) وتوجد بشكل دائم في محيط منزله في قريطم في بيروت، وهذه الخطوط توقفت فجأة وفي وقت واحد بعيد تفجير 14 فبراير (شباط 2005) بشكل نهائي ودائم".
ولفت ريفي إلى أن "عملية تحديد هوية الأشخاص استغرقت أشهراً طويلة، وكان صبرنا طويلاً انطلاقاً من ثابتة ألا جريمة مكتملة، وخلال شهر نيسان 2006، حضر إلى مكتبي اللواء وسام الحسن ومعه الرائد وسام عيد، وأبلغاني بأن أحد الخطوط في الشبكة المقفلة، أجرى اتصالاً وحيداً من منطقة البقاع برقم هاتف في الضاحية الجنوبية، وهذا الرقم من خارج الشبكة المقفلة، ومن خلاله تمكنا من تحديد هوية حامل هذا الرقم، وكرّت سبحة كشف أسماء المتورطين في العملية"، معلنا أن "هذه المعطيات نقلها مع اللواء الحسن إلى رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، وجرى وضعه في تطورات التحقيق وأن منفذي الاغتيال هم قياديون في جهاز أمن "حزب الله".
وكشف أن "الحريري إتصل بالأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، وطلب منه موعداً فورياً للواء وسام الحسن، الذي زار نصر الله ووضعه في أجواء نتائج التحقيقات والوقائع وطلب منه تفسيراً وتوضيحاً لهذه المعطيات، فاستمهله نصر الله 24 ساعة ليجمعه مع مسؤول أمني، وفي اليوم التالي التقى الحسن المسؤول الأمني المعروف بلقب "أبو علي" وجرى استعادة لعرض المعطيات بحضور نصر الله، لكن أبو علي سارع إلى تبرير وجود الخلية الأمنية في موقع التفجير ومواكبتها السرية لتحركات رفيق الحريري، بأنها كانت تتعقب عملاء لإسرائيل، لكن هذه التبريرات لم تكن مقنعة، وفي خضم التفاوض مع الحزب حول هذه المسألة، وقعت فجأة حرب تموز 2016، وانقطعت خطوط التواصل مع الحزب نهائياً، خصوصاً أنه بعد انتهاء الحرب، انسحب المكون الشيعي من حكومة فؤاد السنيورة وجرى احتلال وسط بيروت وتطويق السرايا الحكومي، وصولاً إلى الانقلاب العسكري في 7 يار 2008".
وأوضح ريفي أنه "أمام انقطاع التواصل مع الحزب، وضع الفريق الأمني اللبناني هذه المعطيات في عهدة لجنة التحقيق الدولية، برئاسة سيرج براميرتس يومذاك، وهنا لجنة التحقيق لم تتقدم بخطوات فعالة حينها، إلى أن استقال براميرتس وعيّن مكانه دانيال بلمار، الذي أعطى تقييماً إيجابياً للمعلومات، وأكد أن الأدلة موضوعية وعلمية، وبدأ التحقيق يأخذ مسار الحسم حول هوية المنفذين، وهو ما استند إليه بلمار في قراره الاتهامي، وصادق عليه قاضي الإجراءات التمهيدية، وبدأت المحكمة على أساسه عقد جلسات المحاكمة العلنية"، معلنا أن "شاهداً سرياً حضر إلى مكتبه في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، شاهداً من مدينة طرابلس بقي اسمه سرياً، وأعطى معلومات دقيقة عن هوية الشخص الذي تقرّب من الفلسطيني أحمد أبو عدس، وكان يلتقيه في مسجد قريب من جامعة بيروت العربية في منطقة الطريق الجديدة، وتودد إليه طالباً من أبو عدس أن يعلّمه الصلاة وأركان الإسلام والتعمّق في علوم الدين، وبعد أيام قليلة حضر هذا الشخص الذي كان يسمّي نفسه محمد؛ والذي تبيّن أنه أسد صبرا، أحد المتهمين الأربعة في جريمة اغتيال الحريري، إلى منزل أبو عدس في الطريق الجديدة وطلب منه أن يرافقه في زيارة خاصة، وذلك قبل أسبوعين من جريمة اغتيال الحريري، وهنا اختفى أثر أحمد أبو عدس الذي ظهر في شريط مفبرك يوم الاغتيال، وتبنّى في تسجيل مصور تنفيذ الجريمة، علماً بأنه لم يتبين وجود أثر لأشلاء أبو عدس في مسرح الجريمة، وبالتالي ليس هو الانتحاري الذي نفّذ التفجير".
وجزم ريفي أن "جريمة اغتيال بهذا الحجم وبالتداعيات التي أحدثتها، لم تكن لتحصل بقرار يتخذه "حزب الله" منفرداً، إنما هي ترجمة عملية لقرار مشترك اتخذه النظامان الإيراني والسوري، اللذان أوكلا مهمّة التنفيذ إلى جهاز أمن الحزب بدعم لوجيستي من الاستخبارات السورية".