مما لا شك فيه أن الإنماء في لبنان ومكافحة الفساد لا يقتصر فقط على الحكومة فحسب، بل هو تكاملٌ وتعاون بين الرئاسات الثلاث : رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس النيابي ورئاسة الحكومة، لذلك فإن البحث عن وطنيين أحرار، صادقين ومؤمنين بوطن مستقل، يحملون تلك الأمانة، لهو الطريق نحو خلاص لبنان وشعبه.
كما أن الخيار الوحيد لإنقاذ لبنان في مرحلة ما بعد انفجار مرفأ بيروت، هو تشكيل حكومة حيادية وطنية من اختصاصيين، مهمتهم وضع الخطط والبرامج الإنمائية للخروج من أزمات لبنان الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. لكن هذا الخيار هو بعيدٌ عن واقع البلد المأزوم، مع وجود أمراء الطوائف والمذاهب، المدعومين شعبياً ودولياً، مع تحكمهم بكل مؤسسات الدولة ومفاصلها، من خلال زرع أتباعهم ومناصريهم في إدارات الدولة كافة.
أما ما يسمى "حكومة الوحدة الوطنية" فهي في الجوهر حكومة لا وطنية، لأنها أنشئت بالأساس بطريقة المحاصصة السياسية وتوزيع "الوزارات السيادية" على الأحزاب المشاركة في الحكومة بما يتناسب وحجمها في المجلس النيابي. ويكفي هذا النوع من الحكومات استقالة أحد أطرافها ليتم سحب الثقة منها.
واللافت قبل استقالة رئيس الحكومة حسان دياب، كمية الاتصالات الداخلية والخارجية للبحث عن اسمٍ لرئاسة الحكومة البديلة وشكلها وصيغتها، وما عجّل في استقالة دياب، طرحه لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، ما طرح عدة خيارات على الساحة الداخلية، من بينها حكومة وحدة وطنية على طريقة الأحزاب اللبنانية، يتم التسويق لها من قبل قوى ٨ آذار، وخيار آخر تبنته قوى ١٤ آذار، ويتمثل بتشكيل حكومة حيادية برئاسة شخصية مستقلة.
أما بالنسبة إلى مكونات الانتفاضة الشعبية فقد رفضوا تشكيل حكومة سياسية من أقطاب السلطة الفاسدة، معتبرين ذلك “خيانة لدماء ضحايا انفجار بيروت، ولمئات آلاف اللبنانيين الذين تظاهروا منذ ١٧ ت١ الماضي، وإعادة تدوير الطبقة السياسية المسؤولة عن أزمات لبنان المتعددة”، مطالبين بحكومة مستقلة من اختصاصيين تتمتع بصلاحيات تشريعية استثنائية من أجل إصلاحات مالية واقتصادية جديّة.
وفي سياق متصل، يوجد ضبابية في المواقف الدوليّة في شأن تشكيلة الحكومة ورئيسها، مع الإشارة إلى أن البحث الدولي يتركز بشكل عام على العمل من أجل تشكيل حكومة لبنانية في أقرب وقت ممكن، لكن بالمقابل هناك بعض الدول ترغب في اقصاء حزب الله عن أي تشكيلة حكومية، وتؤيد بأن تكون الحكومة العتيدة من المستقلين، ودول أخرى تميل نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة الرئيس سعد الحريري.
وفي ظل هذه التناقضات والظروف الصعبة التي أفرزتها الأزمة السياسية والاقتصادية المتفاقمة على مدى عقود من الزمن، إضافة إلى انفجار بيروت وتداعياته الاقتصادية والسياسية على الوطن والمواطن، وفي ظل الصراعات الإقليمية والدولية وتأثيرها المباشر على لبنان، لا بد من صحوتين، الأولى صحوة الشعب والثانية صحوة ضمير حكام هذا البلد، وما بين الصحوتين، انهيار ما تبقى من وطن...