على قاعدة عدم الثقة بالقضاء الوطني، خرجت بعد إغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، في 14 شباط 2005، الدعوات إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية، ولاحقاً محكمة دوليّة أُنشئت في العام 2009، على أمل أن تقود إلى كشف حقيقة هذه الجريمة، التي لا يزال يعاني من تداعياتها حتى اليوم.
وعلى الرغم من الإتهامات بالتسييس التي وُجّهت إلى هذه المحكمة، على مدى السنوات الماضية، إلا أنّ القسم الأكبر من اللبنانيين كان اليوم ينتظر أن يرى ما ستقدّمه من نتائج، لا سيّما بعد صرف أكثر من مليار دولار عليها حيث قاربت الحصّة التي دفعها لبنان النصف، لكن سريعاً ظهرت خيبة الأمل، خصوصاً بالنسبة إلى الفريق الذي كان يراهن على الحكم الذي سيصدر، كي يكون نقطة تحوّل على مستوى الحياة السياسية اللبنانية.
في هذا السياق، كان من الصادم بالنسبة إلى الكثير من المتابعين ما تمّ التداول به في القسم الأوّل من الجلسة، حيث كانت المعطيات المقدّمة عبارة عن تحليل سياسي بالمجمل، لناحية توجيه الإتّهام إلى مجموعة من الأفراد، الذي قال الإدعاء أنهم ينتمون إلى "حزب الله"، بعد تقديم عرض عن أنّ الأوضاع السياسية في البلاد، التي سبقت عملية الإغتيال، تشي بوجود مصلحة للحزب أو سوريا بحصولها، في حين ليس هناك من دليل على علم قيادة الحزب أو القيادة السورية بالجريمة.
هذا الواقع، أحدث صدمة بالنسبة إلى بعض الشخصيات المنضوية في قوى الرابع عشر من آذار، خصوصاً أنّ الرهان كان على إدانة "حزب الله" في هذه الجريمة، إلا أنّ المفاجأة الكبرى كانت في القسم الثاني من الجلسة، عندما تبيّن أن 11 عاماً من عمل المحكمة لم توصل الاّ إلى مجموعة من المجهولين لا أكثر: فالإنتحاري مجهول، ومن اشتريا سيارة الميتسوبيشي مجهولان، والأمر نفسه ينطبق على الذين اشتروا الهواتف المستخدمة وأعضاء شبكات المراقبة والعقل المدبّر.
ما يدعو إلى السخرية في هذا اليوم الطويل، هو الإستنتاج الذي توصلت إليه المحكمة، لناحية أنّ الهدف من الجريمة هو زعزعة الإستقرار في لبنان، بينما المطلوب منها كان الوصول إلى نتيجة حاسمة حول الجهّة التي كانت تريد ضرب الإستقرار، لا أن تخبر اللبنانيين، بعد 15 عاماً على الجريمة، عن الهدف الذي يعرفونه جيداً، نظراً إلى أنهم خَبِروا ذلك، من دون تجاهل الحديث عن أن الأدلّة تشير إلى أنّ اغتيال الحريري له ارتباطات سياسية، لكنها لا تثبت على نحو محقّق من وجَّه باغتياله.
في خلاصة الجلسة، قرّرت غرفة الدرجة الأولى في المحكمة أن سليم جميل عياش مذنب بصفته "شريكاً في المؤامرة وارتكاب عمل ارهابي باستعمال ادوات متفجّرة وتهمة قتل رفيق الحريري عمداً وقتل 21 شخصاً، وتهمة محاولة قتل 126 شخصاً إضافة لقتل الحريري عمداً باستخدام مواد متفجرة"، كما قررت أن حسن مرعي وحسين عنيسي وأسد حسن صبرا غير مذنبين في جميع التهم المسندة إليهم، في حين أعلنت عدم اقتناعها بأنه كان لمصطفى بدر الدين الدور القيادي للمجموعة التي نفّذت الاغتيال.
ما تقدم، يدفع إلى السؤال عن الجديد الذي قدّمته هذه المحكمة إلى اللبنانيين، باستثناء التحليل السياسي الذي من الممكن أن يتمّ إستغلاله بكل سهولة، في حين أنها لم تقدم لهم أي رواية مقنعة حول حقيقة ما حصل في ذلك اليوم المشؤوم، بيدَ أن التسريبات التي كانت قد رافقت عملها، طوال الفترة الماضية، كان قد أدّت إلى توتير الأجواء في البلاد في أكثر من مناسبة.
في الختام، هناك نقطة أساسية ينبغي الإشارة إليها هي أنّ البراءة، التي حصل عليها معظم المتّهمين، جاءت في إطار محاكمة غيابيّة، أيّ من دون حضور المدّعى عليهم أو تمثيلهم في المحاكمة أو مراسلتهم للمحكمة، وهي قانونياً تُعدّ براءة قويّة.