واخيراً، بعد 15 عاماً على الجريمة، صدر حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورفاقه. من الطبيعي ان تنقسم الآراء بين مؤيد ومعارض لهاذا القرار وحيثياته وما استندت اليه المحكمة للنطق بحكمها، وبغض النظر عن هذه الآراء وما تتضمنه من معطيات جديرة بالتوقف عندها ام لا، يبقى الثابت الوحيد ان الحكم صدر، وهناك مرحلة ثانية يجب متابعتها وهي مرحلة ما بعده. هذا هو صلب الموضوع في الواقع، وليس الاهتمام بالعدالة بمعناها الضيّق، لان المخططين والمرتكبين لم ولن ينتظروا عقداً ونصف من الزمن لقبول الحكم، ومنهم من انتقل الى دنيا الحق. النقطة الاهم في المسألة ان لا مفاجآت حصلت في حيثيّات الحكم وما تضمنه، خصوصًالجهة عدم اتهام حزب الله وسوريا مباشرة بالاغتيال، وهو ما كان متوقعاً بالاصل.
ويمكن القول ان قوى 14 آذار، فقدت اعتباراً من اليوم، ورقة ضغط كانت بحوزتها منذ العام 2005، وكانت تستعملها بين الفينة والاخرى، وتعيد التذكير بها لشدّ العصب، كما كان البعض يلجأ اليها لتسويق نفسه شعبياً من جهة، ولاستهداف حزب الهع من جهة ثانية. وقد بقي البعض متمسكاً بهذه الورقة حتى الرمق الاخير، بدليل صدور مواقف عن سياسيين في لبنان وخارجه، شددت على اتهام الحزب بالجريمة، وبوجوب تحمّله المسؤولية. وكي لا يذهب قرار المحكمة الدوليّة سدى، تم فتح الباب امام محاولة اكثر قبولاً للتنفيذ، وهي ضرب حزب الله سياسياً من خلال الضغط في سبيل تحييده عن الحياة السّياسية، اذا لم يكن على المدى الطويل، فأقلّه على المدى القصير. ويعتبر هؤلاء انّ الفرصة اليوم سانحة لتحقيق هذا الهدف بفعل الازمة التي يتعرض لها لبنان من جهة، وليتفادى الحزب نتائج قرار المحكمة من جهة ثانية كون الذين تمت ادانتهم ينتمون اليه، ويتحمل بالتالي مسؤولية معنويّة في غياب الوثائق والدلائل التي يمكن الاعتماد عليها للاعلان عن ضلوعه بالجريمة.
وبالتالي، فإن فترة الهدوء التي سيعيشها لبنان بعد حكم المحكمة الدولية، هي عسكريّة بالمقام الاول، وامنيّة بالمقام الثاني، ولكنها ستشتعل سياسياً لان المتّهِمين لن يتخلوا عن الورقة بسهولة، وهم سيعمدون لاستعمالها كلما سنحت لهم الفرصة، من اجل الاهداف ذاتها التي كانوا يستعملون فيها ورقة المحكمة قبل صدور الحكم. وقد يعلم هؤلاء، او لا يعلمون، ان المسألة ليست بهذه السهولة، فازاحة حزب الله يعني ازاحة شريحة من اللبنانيين، وهو امر لا يمكن ان يقبل به من هم داخل لبنان او حتى خارجه، وقد جسّد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون هذا الامر خلال زيارته الى لبنان بقوله انه لا يمكن اشاحة النظر عن احد المكونات اللبنانية الموجودة (اي حزب الله) حتى في ظل الخلاف الرؤيوي معه حول الكثير من الامور. فإذا كانت فرنسا غير مستعدة لاقصاء الحزب، هل يمكن لاي مكوّن لبناني ان يقبل بذلك؟ وماذا عن الحليف الرئيسي للحزب سياسياً اي رئيس مجلس النواب نبيه بري، هل يستطيع افرقاء قوى 14 آذار التخلي عنه؟ وكيف يمكن تفسير اقصاء الحزب عن المشهد السياسي اذا ما حصد في اي انتخابات نيابية ستجرى اكانت مبكرة ام عادية، غالبية اصوات الناخبين من الطائفة الشيعية؟ وهل سيقبل حلفاء الحزب من الطوائف الاخرى التضحية به ايضاً على المذبح السياسي؟.
انها اسئلة مشروعة، ولا شك ان الاجابة عنها معروفة، تماماً كما كان متوقعاً ايضاً قرار المحكمة الدولية، ولن يدوم الهدوء على الجبهة السياسية طويلاً، الا في حال حمل معه ماكرون خلال زيارته الثانية الى لبنانفي الاول من ايلول المقبل، بنود التسوية السياسية التي ستحرك الركود اللبناني على كل المستويات.