في العام 1984، شُكّلت في لبنان حكومة أقطاب، حملت الرقم 56، وتكوّنت من 10 وزراء فقط، وكانت وظيفتها اتّخاذ القرارات الجريئة التي يتطلّبها الوضع القائم، واليوم يُعاد طرح هذه الصيغة مجدّدا، على اعتبار أن الحكومات التي تشكّلت مؤخرا، سواء كانت حكومات وحدة وطنية، أو حكومات الفريق الواحد، وصولا للحكومة المستقيلة التي حملت صفة حكومة الاختصاصيين، لم تؤدّ العمل المطلوب منها، فهل تكون حكومة الاقطاب هي الحل؟.
تُعاني الحكومات اللبنانية المتعاقبة من صعوبة اتخاذ القرارات، لذلك يجب أن يتجه التفكير عند تشكيل الحكومة الجديدة الى كيفية وضع حدّ لهذه المعضلة، وربما تكون حكومة الأقطاب مدخلا لذلك، بحسب مصادر سياسية مؤيّدة لهذه الفكرة، مشيرة الى أنه آن الأوان لتفعيل مجلس الوزراء، وتمكينه من أن يكون سيّد نفسه، عبر وزراء لديهم القدرة على اتخاذ المبادرة في أي قضية تُطرح، ويتمكّنون من تحقيق التغيير المنشود دون العودة الى قياداتهم في كل شاردة وواردة، لأن الوقت الحالي يحتاج الى مثل هذه الجرأة، فالحكومة الجديدة ستكون أمام مهمة شبه مستحيلة، ولأجل النجاح بها لا يمكن أن تكون مشابهة لتجارب فاشلة سابقة.
وتشير المصادر عبر "النشرة"، الى أن حكومة الاقطاب لا تعتمد على معايير مُنزلة، فالهدف لم ولن يكون الشكل بل المضمون، لذلك يفضلّ تكوينها من 14 وزيرا يمثّلون كل الكتل النيابية الموجودة في المجلس النيابي، ويكون لكل كتلة حقيبة واحدة، ولرئيس الجمهورية حقيبة واحدة، وتصبح التشكيلة متوافقة مع ما طلبه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأيضا مساعد وزير الخارجية الأميركي دايفيد هيل، الذي وللمرة الاولى لم يتحدّث عن رفضٍ أميركي لمشاركة حزب الله بالحكومة، إنّما شدّد على ألاّ يكون لطرف فيها الغلبة على آخر.
وترى المصادر أن هكذا حكومة لا يمكن أن تكون إلا برئاسة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، الذي يحظى بدعم سياسي جيّد في لبنان، وبحال قرّر بعض الاطراف عدم المشاركة فيها يمكن أن يتقلّص عدد الوزراء الى 12 أو حتى 10.
تشبّه المصادر هكذا حكومة، بطاولة الحوار التي دعا إليها رئيس الجمهورية ميشال عون منذ أسابيع، مشيرة الى إمكانيّة وضع معايير محدّدة على تسمية الوزراء، بأن يكونوا رؤساء الاحزاب، أو نوابهم، أو رؤساء الكتل البرلمانيّة، فتصبح الحكومة بذلك متناغمة مع المجلس النيابي، لأنّ المرحلة المقبلة بحال أرادت الحكومة أن تُنجز فهي بحاجة ماسة الى إقرار القوانين، وبالتالي قد تكون المرة الأولى التي تحتاج فيها الى تعاون مطلق مع المجلس النيابي بعيدا عن الحساسيات، أما المراقبة، فقد لا تكون ضروريّة هذه المرة لأنّ مهمتها محدّدة بالإنقاذ الاقتصادي واستعادة علاقات لبنان بالخارج وإعادة الإعمار، ووضع قانون انتخابي جديد يشكّل مدخلا للدولة المدنية التي تُعلي شأن المواطن، وتحمي حقوق الطوائف ضمن إطار خاص.
وتكشف المصادر أن طرح حكومة الأقطاب ليس جديدا في تاريخ لبنان الحديث، اذ سبق وطُرحت عام 2018 ولم تتحقّق، إنما اليوم يُفترض أن يكون قد اقتنع الجميع بأن الخسارة وقعت على لبنان ككل، ولا مجال لاستمرار الوضع على ما هو عليه.
بالمقابل، علمت "النشرة" أن طرح حكومة الأقطاب لم يسقط من سلّة الحلول الممكنة، ولكنه ليس الوحيد، اذ هناك طرح آخر، يتضمن تشكيل حكومة مصغرة من 10 الى 14 وزيرا، من الأسماء الخبيرة بالإدارة العامة، والسياسة بنفس الوقت، وتكون قادرة على الخروج من لبنان باتجاه العالم العربي والغربي، وتحمل نفس المهمة التي يتفّق عليها الجميع، وهي الإنقاذ الإقتصادي، والتفاوض مع صندوق النقد الذي يُفترض أن يعود مع بداية شهر أيلول بمؤازرة فرنسية.
كل هذه الخيارات قد تشكل حلا للبنان، يلتقي مع الهدوء الدولي، والتسويات المطروحة، وربما نكون أيضا قاب قوسين أو أدنى من استثمار المعطيات الدوليّة لتحقيق تغيير حقيقي في النظام اللبناني، ولكن الأهّم في كل هذا هو أن "يقوم اللبنانيون بالعمل" لأنّ أيّ مساعدة لن تكون إيجابيّة بحال لم نساعد أنفسنا.