ما إن اعلن قرار المحكمة الدولية بإدانة المتهم سليم عياش بالمشاركة في تفجير موكب رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، حتى انطلقت الأصوات المتحفزة سلفاً لإستثمار القرار كيفما كان. ورغم خيبتهم من عدم تضمين القرار اسماء أخرى إضافية أو تجريم "حزب الله" كجهة سياسية تقف وراء التفجير، الا انهم لم يتركوا فرصة الإستفادة من القرار والتركيز على استحالة ان يكون عياش قد قام بكل ذلك الفعل دون معرفة القيادة، وبالتالي السعي نحو تحميل الحزب وقائده مسؤولية مباشرة.
قيل الكثير وما زال في تحليل القرار والوقائع، ولكن هناك نقطة أساسية كان يجب على الإعلام السعودي وحلفائه غض النظر عنها، لأنها تفتح جرحهم الذي لم يغلق بعد. وهي المسؤولية الجزائيّة للرئيس عن أعمال مرؤوسيه. وقد سعت الدول التي وقفت وراء تشكيل المحكمة الى إدخال بند يتمكنون من خلاله النيل من الرئيس السوري بشار الأسد شخصياً ، قبل أن تنتقل دفة الإتهام من سوريا الى حزب الله. فقد ورد في المادة الثالثة من نظام المحكمة التي تحدّد المسؤولية الجنائية ما يلي:
"يتحمّل الرئيس المسؤولية الجنائية عن أي من الجرائم، التي يرتكبها مرؤوسون يخضعون لسلطته وسيطرته الفعليتين، نتيجة لعدم سيطرته سيطرة سليمة على هؤلاء المرؤوسين". وعلى عكس المسؤولية المعنوية والتي توجب التنحي أو الإستقالة، فالمسؤولية الجنائية تستوجب معاملة الرئيس كشريك في الجرم ، حتى لو لم يعلم به الا بعد وقوعه، فـ"عدم السيطرة" على المرؤوسين يشركه في تحمل اوزار أفعالهم، وعلى هذا لن يبقى رئيس أو زعيم خارج المساءلة في أيّ حرب.
أمام هذا الهجوم الإعلامي الواسع والمحضّر سلفاً لتحميل حزب الله وزعيمه المسؤولية المباشرة، تقتحم قضية جمال خاشقجي المشهد ولا يمكن إغفال المقارنة بين القضيّتين، فقد احتجّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأنّ لديه عشرات الاف الموظفين الحكوميين ولا يمكن له السيطرة على افعالهم جميعاً. ولكن أيّ موظف هذا الذي قاد فريق التقطيع؟.
ماهر مطرب عقيد في الإستخبارات السعوديّة، مرافق شخصي لمحمد بن سلمان، وقد نشرت صوره بالفيديو مرافقا لبن سلمان في اسفاره، ايضا هناك توثيق بالفيديو لقدومه تركيا ودخوله القنصلية وخروجه، كذلك تم اعتراض وتسجيل اتصاله بالمستشار الخاص لولي العهد سعود القحطاني، والذي تم عزله صوريا في السعوديّة. كذلك اتصالاته بنائب رئيس الإستخبارات السعوديّة اللواء احمد عسيري، ايضا تمّت اقالته ومحاكمته في القضية. والإتصالات والمحادثات بين اعضاء فريق التقطيع أثناء ارتكابهم الجريمة داخل القنصلية بفضل وجود اجهزة التنصت التركية الراصدة لكل حركة هناك. وحتى المحكمة السعودية التي شكلت صوريا خرجت بتجريم الفريق وحكمت بإعدام بعضهم.
إذا الجريمة مكتملة الأركان، فكيف يقوم المطرب بكل هذا دون إذن من رؤسائه؟ وأين؟ في السعودية التي لا يجرؤ فيها وزير أو مسؤول على التنفس دون إذن الحاكم.
أما في حالة سليم عياش، فلم تتمكن المحكمة من الحصول على أيّ صورة له أو لأحد المشاركين المفترضين في ساحة الجريمة أو جوارها، والمفترض أنهم تجولوا كثيرا في المنطقة ولأيّام عديدة للمراقبة والتخطيط. رغم وجود مئات الكاميرات في المنطقة التي تعج بالفنادق والمقاهي السياحية.
فقط هناك ادعاء بوجود هاتفه في نفس منطقة التغطية لا ساحة الجريمة تحديداً(للتفاصيل التقنية مراجعة القضية). ويوجد سجل اتصالات مع شبكة مفترضة غير معروف شخصياتها، لا تحتوي ايّ كلمة مسجّلة بل فقط مدّة المكالمة وتاريخها. والأنكى من ذلك أنّ سجلات الخروج من مطار بيروت والدخول الى السعوديّة تؤكد بأن سليم عياش وزوجته سافرا في تلك الفترة الى السعودية للحج!. ولكن المحكمة تصرّ على أنّ وجود الهاتف في لبنان دليل انه لم يغادر الى السعودية! وتعتقد بأن شخصا آخر انتحل شخصيته وسافر بدلا منه. وبالطبع لا تعرف المحكمة من هو الشخص البديل ولا تقدّم دليلا على بقاء عيّاش في لبنان وقتذاك.
للتذكير، فقد أجرى أحد الصحافيين في محطّة تلفزيونيّة تجربة حيّة بثها ضمن أحد تقاريره. فقد أحضر جهازا صينيا رخيص الثمن ونسخ به أحد ارقام الهاتف 3 أو 4 نسخ ووضع نفس الرقم على هواتف مختلفة ووزعها في انحاء لبنان واجرى اتصالات ناجحة بكل واحد منها. مما يعني أنّ الرقم في بيروت اتصل بنفس الرقم الموجود في طرابلس وفي الجنوب في آن معا، عند سحب داتا الاتصالات يتبيّن ان الصحافي موجود في 3 محافظات في نفس الوقت واتصل ايضا بنفسه وتحدث معها! فكيف لو كان المتلاعب بداتا الإتصالات جهاز مخابرات محترف؟.
هذا دليل إتهام عياش ودلائل اتّهام المطرب. لنعلم في أيّ زمن نعيش، وإلى أيّ مجتمع دولي نحتكم.