بات الأمر، شبه محسوم، أن الإستشارات النيابية الملزمة، التي يجريها رئيس الجمهورية عادةً، لتسمية رئيس حكومة مكلّفاً، عملاً بأحكام الدستور، قد يحددها الرئيس العماد ميشال عون، في القصر الجمهوري في بعبدا، في نهاية الأسبوع المقبل. ولهذه الغاية، أي إنجاح "طبخة التكليف والتأليف"، تعقد جلسات المشاورات، بين القوى الأساسيين المعنيين، بولادة الحكومة العتيدة، منها معلن، ومنها غير معلن، وتصدر أبرز حركة هذه المشاورات، الجلسات التي يعقدها، رئيس مجلس النواب نبيه بري، مع النائب جبران باسيل، ومعاون الأمين العام لحزب الله حسين الخليل، في عين التينة، حيث كان بري واضحاً، وحاسماً خياره، لجهة تسمية الرئيس سعد الحريري، لتأليف الحكومة المرتقبة.
وتعقيباً على ذلك، تشير مصادر سياسية متابعة، الى أن بري، متمسك بقيام حكومة، قادرة على "لم الشمل"، خصوصاً في هذه الظروف الإستثنائية التي يمر فيها البلد. ووفقاً لرؤية بري وحساباته الحكومية، فهو ينظر الى الحريري، كرئيس أكبر كتلة نيابية سنية في البرلمان اللبناني حتى الساعة، بالتالي فهو قادر على الإسهام بفعالية بتدعيم حكومة الوحدة الوطنية المرتجاة.
وتنقل المصادر المذكورة أن مسعى رئيس السلطة التشريعية، لإعادة رئيس "التيار الأزرق" الى السرايا الكبيرة، دونه عقبات جمة. فقد استهل بري مهمته، الرامية الى إزالة العوائق من أمام الحريري، في مسيره المفترض، نحو الفصر الحكومي، بمحاولة إقناع رئيس التيار الوطني الحر، للقبول بالثاني، كرئيس مكلف للحكومة العتيدة. وفي حال نجحت مساعي بري، لدى باسيل، عندها ح زب ال ل ه، لن يمانع بعودة الحريري الى الحكم. ولكن من المحسوم، أن الحزب لن يسمي الأخير في الاستشارات الملزمة في معزلٍ عن حليفه الاستراتيجي "التيار البرتقالي"، ولو إستمرت حكومة الرئيس حسان دياب، بتصريف الأعمال، حتى إشعارٍ آخرٍ، على حد قول المصادر. إذا إن موافقة المقاومة على القبول بتسمية الحريري مجدداً رئيساً مكلفاً للحكومة، مقرونة بموافقة حليفه "التيار الحر".
وفي هذا الصدد، لا تستبعد المصادر عينها، أن يطلب "التيار الحر" من رئيس الحكومة الأسبق إعتذاراً على جملة الإساءات التي إقترفها في حق التيار ورئيسه باسيل، قبل موافقتة على تسمية الحريري، خصوصاً أثر إستقالة حكومتة، عقب إحتجاجات تشرين الأول الفائت، من دون التوافق مع شركائه في الحكومة المذكورة. فلاريب أن هذا التصرف يشكل إنقلاباً على التسوية التي أوصلته الى سدة الرئاسة الثالثة في نهاية العام 2016.
كذلك حاول الأخير إلقاء كامل المسؤولية في تردي مجمل الأوضاع، على كاهل "التيار" وباسيل. لذلك فأن موافقة باسيل على طرح بري بإعادة "تسمية الحريري"، من دون تقديم تنازل منه، أي على الأقل إعتذار، فإن هذا الأمر، يحرج باسيل أمام تياره وجمهوره، ودائماً برأي المصادر السياسية المذكورة.
ومن العقبات الداخلية أيضاً أمام عودة الحريري الى "السرايا"، هي إستمرار رفض رئيسي جزبي القوات اللبنانية سمير جعجع، والتقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط لهذه العودة حتى الساعة، الأمر الذي يعكس رفضاً سعودياً – إماراتياً، أيضاً، برأي مرجع إسلامي قريب من فريق الثامن من آذار. ويعتبر أن الموافقة الخليجية، يبدو أنها مرتبطة بتسوية شاملة في لبنان والمنطقة، لم تنضج بعد، بدليل ما أكده الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الأيام القليلة الفائتة، أنه "سيبرم اتفاقيات مع إيران وكوريا الشمالية على وجه السرعة إذا فاز في الانتخابات الرئاسية المقبلة". أي أن الأمور مؤجلة أشهر عدة، ودائماً برأي المرجع.
الى ذلك، تنقل مصادر عليمة عن الخبير المالي محمد البعاصيري، المحسوب على واشنطن وسفارتها في بيروت، أنه زار الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، والتقى بأثني عشر مسؤولاُ أميركياً، لم يطرح أحد منهم معه، مسألة عودة الحريري الى الحكم.
إذا، إن التسوية الشاملة لم تنضج بعد، ولكن بعد تدخل فرنسا على خط الأزمة اللبنانية، أدى ذلك الى منع إنهيار الأوضاع السياسية والاقتصادية في لبنان بالكامل، بالإضافة الى ذلك، فقد أسهم هذا التدخل، الى خلق دينامية تعاون بين المكونات اللبنانيين الأساسيين، للتفاهم على خلق واقع سياسي جديد، وتشكيل حكومة جديدة، تنهض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتعمل على إعادة إعمار بيروت، ونلملم آثار كارثة الرابع من آب.
أما في شأن عودة الحريري الى القصر الحكومي، فالأمر متوقف على جرأته الأدبية، بالتالي تقديمه إعتذاراً الى جمهور "التيار الحر"، وشجاعته على تخطي الفيتو الخليجي المرفوع في وجه عودته الى الحكم، كذلك وقف "الدلع"، وسحب كلامه عن وضع شروط معينة، لقبوله "التكليف"، منها ترأس حكومة من غير السياسيين، فقد بات في موقعٍ، لا يخوله فرض شروط، بل على العكس، خصوصاً بعد التصدعات التي أصابت تياره، فهو غير قادر على ضبط إيقاع شقيقه بهاء، والكاتب رضوان السيد ...