أشار نائب رئيس المجلس سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب، خلال مراسم احياء الليلة الثانية من عاشوراء بالمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، إلى أنه "لا يمكن لنا ونحن نعيش اجواء كربلاء التي شكلت نقطة عطف تاريخي هام ومحطة فاصلة في المسار العام للمجتمع الاسلامي، لا يمكننا الا ان نبحث عن الاسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا التحول، وهل ان لها في العمق اسبابه الخاصة او انه يخضع لقانون عام يتحكم بكل تحول تاريخي في حياة الامم والشعوب، لا اشكال ان لهذا التحول اسبابه المباشرة الظاهرية والخاصة التي قد نجد ايضا اختلافاً في تشخيصها من باحث واخر، فهذا التفسير والتشخيص محكوم ايضا لأسبابه الخاصة التي قد تخضع لمنطق الصراع وقواعده و منطق المصالح الذاتية الفردية او الجماعية التي ينتمي اليها هذا او ذاك من الباحثين، وهو ما يُعبّر عنه بالخلفية الفكرية التي يرتكز اليها في تشخيص الواقع محل البحث".
وأكد الخطيب انه "كان من الضروري إن اُريد الوصول الى نتائج صحيحة وموضوعية من توحيد المعايير بالاستناد الى القيم الفطرية التي يتساوى بنو البشر في ادراكهم ومعارفهم الاولية التي تشكل نقطة الربط والتواصل بينهم مهما اختلفت مستويات ادراكاتهم وتفاوتت معارفهم وثقافاتهم سعة وضيقا وتباينت اوضاعهم الاقتصادية ومواطنهم الجغرافية، ولذلك فليس من العبث وهو امر ضروري للاستقرار الجماعي اي ليس من العبث ان تتوحد هذه الاوليات من المدركات والمعارف لتكون الاساس الذي تبني عليها تواصلها ومصالحها واستقرارها السياسي والاجتماعي ونموها الاقتصادي وتقدمها العلمي في جميع المجالات. وما نراه من عدم استقرار ومن صراعات مدمرة بين الدول والمجتمعات المختلفة وانعدام الامن وطغيان العنف والمظالم والمآسي التي تفوق التصور وغياب العدالة الاجتماعية ليست الا نتائج لتغييب هذه القيم وعدم الاحتكام اليها وجعلها المرتكز في العلاقات الانسانية الجماعية والفردية على السواء، وهي معايير اخلاقية وانسانية فطرية ضرورية".
كما شدد على ان "المفاهيم التي يتم استخدامها واطلاقها على بعض الممارسات كالعدوان والعدالة والظلم والحرية وحقوق الانسان ما هي الا مفاهيم تنتمي لمنظومة القيم الأخلاقية هذه، ومع تجاوزها واعتماد معايير اخرى كأساس وقاعدة تبنى عليها علاقات بين الجماعات والافراد ثم الحكم عليها بأحكام اخلاقية ومحاكمتها بمعايير لا تنسجم مع منطقها فهذا امر فيه تهافت وغير منطقي. الصراع والحياة للأقوى والاستئثار وما شاكلها من مبادىء هي قيم غير اخلاقية التي دفعت نحو احتدام الصراعات الدولية والمظالم الاجتماعية والفردية واخلّت بالاستقرار السياسي والاجتماعي وادت الى نتائج كارثية على كل المستويات. ان الصراع بين هذين النهجين قديم، قديم قدم وجود الانسان وقد شكلت حركة الامام الحسين انتصاراً للنهج القيمي الاخلاقي الذي شكل النظام الاموي تهديدا خطيرا لها، وكان مقدرا لهذه القيم الاخلاقية الزوال على يد هذا النظام بعد اقصاء اهل البيت عليهم السلام من تبوّء قيادة الدولة، الذين لم يتخلوا عن القيام بالمهمة من خارج النظام ولم يعتبروا ان دورهم قد انتهى بمجرد هذا الاقصاء، وهكذا وضعت ثورة الامام الحسين عليهم السلام الحد لهذه المحاولة الاموية التي باءت بالفشل، واودت سريعاً الى سقوط الشرعية المدعاة لهذا النظام وفضحه امام الامة والتاريخ لتبقى هذه القيم حية تواجه خط الانحراف على مدى الزمان والمكان".
ونوه كذلك بأنه "نحن حينما نحيي في هذه الليالي الحزينة ذكرى شهادة ابي عبد الله الحسين عليهم السلام وثورة عاشوراء، انما نعلن للملأ انتماءنا الى هذه القيم السامية ونستند اليها بوجه قوى الشر والشيطان والابالسة من القوى الدولية واذنابها من القوى المحلية التي رحبت ودعمت وما تزال تستدعي العدوان الاسرائيلي والبوارج والجيوش الغربية على بلادنا، ان هذه المعركة هي في حقيقتها هي معركة قيم، هي نفس المعركة التي حدثت مع النظام الاموي، معركة بين قيم المنتمين الى القيم الاخلاقية الالهية والانسانية وبين المنتمين الى القيم الغرائزية المادية الحيوانية الشريرة التي تعتمد القوة لفرض قيمها ولتحقيق اهدافها الخبيثة وتستخدم لذلك اقذر الوسائل لايقاع الفتنة بين المقاومة واهلها وتشويه دورها والاساءة الى تاريخها وانجازاتها، ولا يمكن لهذا العدو ان ينتصر في هذه المعركة ويقضي على هذه القيم لان هذه القيم هي قيم الهية تمثل الحق، قد يفشل اصحاب الحق في معركتهم ويهزمون في مواجهتهم ولكن حين يتخلون ويتراجعون، ولكن الطريق يبقى مستمرا ويأتي من يحمل الراية ويتابع المسيرة".
وتوجه كلك إلى "سائر الذين يقفون بوجه هذه الحقيقة، واقول لهم عودوا الى انفسكم والى شعبكم وقدروا مصلحة بلادكم وتعلموا من التجارب، فسرعان ما سينجلي الموقف ويتضح الامر لان اللبنانيين هم في غالبيتهم هم على هذا الخط وعلى هذا النهج ينتمون الى خط الانبياء والى القيم الأخلاقية، وهم سيخضون مواقفكم الى المحاكمة على اساس هذه الموازين الاخلاقية، ولذلك عليكم ان تعلموا بان انتصار المقاومة هو انتصار للشعب والوطن، فدعوا وراء ظهوركم هذه المكابرة فلقد رأيتم بأم اعينكم القوى الكبرى التي استندتم اليها في مواجهتها كيف اتت مسلمة للمقاومة بعد ان خسرت الرهان على ضعفها وتراجعها، بل انهيارها امام حصارهم وضغوطهم، عودوا الى صفوف الشعب اللبناني واستمدوا المبادرة في بناء ما تهدم بناء الوحدة الوطنية، وادعو الى الاسراع في تشكيل حكومة تمثيلية لأوسع شريحة شعبية للقيام بالإصلاحات اللازمة على المستوى الاقتصادي والإداري، والمبادرة الى ايجاد قانون انتخابي قائم على النسبية يعتمد مبدأ لبنان دائرة انتخابية واحدة، والقيام بتشكيل مجلس الشيوخ تطبيقا لاتفاق الطائف .اسأل الله تعالى الذي منّ علينا بنعمة الايمان والهداية والولاية ونعمة الانتماء لنهج ابي عبد الله عليهم السلام التوفيق لأحياء هذه المناسبة، وان يبارك لنا بلم الشمل في مواجهة الازمات، ونحن مع سائر اللبنانيين مرفوعي الراس وقد تحقق للبنان الامن والامان والاستقرار".