لا تبشر أعداد المصابين بفيروس "كورونا" داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان بالخير، وهي في ارتفاع مضطرد يوميا رغم كل الاجراءات الوقائية، وقد تضافرت عدة عوامل لتجعل مواجهتها او محاصرتها من الصعوبة بمكان، ان لجهة ضيق مساحة المخيمات او الكثافة السكانية او ضعف الامكانيات المادية او الصحية او الفقر المدقع، الذي يدفع الكثير من ابنائها الى المضي قدما في تأمين قوت يومه مثل اللبناني،وهي مغمّسة بخطر الاصابة وسط مخاوف من انفجار اجتماعي بعد تراكم سلسلة من الازمات التي ضيّقت الطوق الى حدّ الاختناق والموت.
المخيمات ليست معزولة
وتؤكد مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، ان بعض المخيمات الفلسطينية ومنها "عين الحلوة" في صيدا و"برج البراجنة" في بيروت تواجه تحديات حقيقية في محاصرة "الفيروس"، بعد ارتفاع اعداد المصابين فيهما، فالاول لامس 36 اصابة والثاني مثلها، فيما سجلت باقي المخيمات اعدادا أقل، ما دفع الى استنفار سياسي وصحي ترجم على أكثر من مستوى وفرض المزيد من التنسيق لتذليل عقبات كثيرة، لا تبدأ بتوفير ما يتطلب من اجراء فحوصات الـPCR، ولا تنتهي بتدريب الفرق الطبية العاملة في الوسط الفلسطيني لكيفية التعامل مع المصابين او حتى نقلهم الى اماكن حجر محددة.
ويقول أمين سر "اللجان الشعبية الفلسطينية" في لبنان أبو اياد شعلان لـ"النشرة"، ان الاوضاع تتجه من سيء الى اسوأ، والاعداد تتزايد يوميا، والمخيمات ليست جزر معزولة عن المناطق اللبنانية بل تتأثر بها، في ظلّ الارتفاع اليومي لاعداد المصابين في لبنان"، مشيرا الى ان "المشكلة تولد مشكلات مختلفة ومتشعبة فلا تكمن فقط في قلة اجراء فحوصات الـPCR وفي انتظار صدور النتائج سريعا، بل في صعوبة ضبط كل المخالطين في الوقت نفسه، وتأمين كافة الاحتياجات الضرورية الاغاثيّة منها والطبية ومواد التعقيم والتنظيف للمحجورين وغالبيتهم في منازلهم"، مؤكدا ان ثمة اتصالات ولقاءات تنسيقية مع مختلف العاملين في الوسط الصحي الفلسطيني وخاصة وكالة "الاونروا" و"الهلال الاحمر الفلسطيني" و"اللجنة العليا للاستجابة لأزمة فيروس كورونا" في المخيمات الفلسطينية لتخفيف وطأة المعاناة واستيعاب التداعيات السلبية ومحاصرة الفيروس ومنع امتداده"، معوّلا بشكل رئيسي على "وعي الشعب الفلسطيني لدقّة المرحلة وخطورتها واهمية الالتزام بالاجراءات الوقائيّة كخط دفاع أول لحماية المخيمات من عدو جديد خفي".
احصاء وعقبات
وتوضح وكالة "الاونروا" في دورياتها حول اعداد المصابين الفلسطينيين، ان الأرقام الإجمالية فاقت 250 حالة،وهي تتواصل مع وزارة الصحة العامة ومع شركائها واللجان الشعبية وكافة الجهات المعنية لمتاعبة الحالات عن كثب، مشيرة الى ان قلة إجراء الفحوصات للأشخاص الذين خالطوا حالات أثبتت اصابتها بالمرض والأشخاص الذين يُشتبه بإصابتهم بالفيروس، بسبب الإرتفاع الكبير في عدد المصابين في لبنان والضغط على المختبرات، حيث أصبح إجراء الفحوصات المخبرية حاليامقتصرا على المخالطين المباشرين المقيمين في نفس السكن أو ممن لديهم عوارض المرض أو حالات صحية مزمنة.
ويؤكد قائد "القوة المشتركة" في مخيّم عين الحلوة العقيد عبد الهادي الاسدي لـ"النشرة"، ان اعداد المصابين 9 تعافوا وغادروا الحجر في المخيم من 36 حالة، والباقون ما زالوا محجورين في منازلهم او في مركز "سبلين" التابع لوكالة "الاونروا"، ولم تظهر على غالبيتهم عوارض الوباء، ما استدعى عدم نقلهم الى المستشفيات"، معتبرا ان "هيئة العمل المشترك" الفلسطيني ولجنة الطوارىء الصحية والقوة الامنية اتفقوا على اقفال المخيّم خمسة ايام انتهت الجمعة مع بدء الاقفال العام في لبنان، ونحن ملتزمون بما تقرره وزارة الصحة اللبنانية والهيئات الصحية المعنية فلسطينيا ولبنانيا"، موضحا ان "الالتزام جيد، فالكثير من التجار واصحاب المحال التزموا، وبعض الناس شعروا بالخوف واتخذوا اجراءات وقائية او لازموا منازلهم احترازيا، ونأمل ان تؤدي هذه الاجراءات الى محاصرة انتشار "الفيروس" لانه في حال تمدد سنقع في كارثة صحية لا تحمد عقباهانتيجة الكثافة السكانية التي تلعب دورا كبير،واضطرار محال المواد الغذائية والخضار واللحوم والصيدليات الى فتح ابوابها لتأمين حاجات الناس من مأكل ومشرب ودواء وهذا يشكل عبئا".
خطة مشتركة
وخطورة تطور الاوضاع الصحية والخشية من انفلاتها، دفع "لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني"الى عقد اجتماع لـ"اللجنة العليا للاستجابة لأزمة فيروس كورونا في المخيمات الفلسطينية في لبنان"في مقرها في السراي الحكومي تابعت الاجراءات المتخذة، وتلك التي يجب اتخاذها لمنع انتشار واحتواء وباء كورونا في المخيماتخاصة بعد ارتفاع الاصابات مع تسجيل ثماني وفيات منذ بداية الأزمة.
وابلغت مصادر المشاركين "النشرة"، انه جرى الاتفاق على اهمية التعاطي مع الواقع الفلسطيني الصحي كجزء من النظام الصحي اللبناني العام، وتعزيز التعاون بين الاونروا ووزارة الصحة اللبنانية عبر توسيع قاعدة المستشفيات الحكومية اللبنانية المتعاقدة مع الوكالة، على ان تكون اولوية دعم الجهوزية الطبية لمواجهة انتشار الوباء ورفع قدرات الفحص ومراكز العزل والعلاج وتدريب الأطباء والممرضين وتأمين التجهيزات اللازمة لهم، وتعزيز مستشفيات الهلال الاحمر وزيادة عدد غرف العناية المركزة فيها وتوسيع قدرة استيعابها، وتوفير الكوادر الطبية والتجهيزات الملائمة، وإنشاء مراكز تنسيق بين مختلف الهيئات الصحية والأهلية ورفع وتيرة التعاون بين الاونروا ووزارة الصحة اللبنانية والمستشفيات الحكومية.
وخلص الاجتماع الى اتفاق على رفع القدرة الاستيعابية لمركز العزل في كلية سبلين لحالات الاصابة الطفيفة أو المخالطة وتأمين التجهيزات اللازمة لذلك، وتجهيز مركزين للعزل في البقاع والشمال والعمل خلال أسبوع، على انجاز العقود بين الاونروا والمستشفيات الحكومية المخصصة لاستقبال ومعالجة حالات الاصابة بعدوى كورونا عبر وزارة الصحة وتدريب العاملين في المراكز المعالجة والمستشفيات وطواقم النقل والاسعاف في الجمعيات الفلسطينية على التعامل مع الحالات المشتبه بها، والتقصي عن وضع مستشفى صفد في الشمال بالتعاون والتنسيق مع سفارة فلسطين لتجهيز طابقين منه على الاقل كمركز للحجر، وزيادة الكادر البشري في مركز الاتصال التابع لوزارة الصحة للتعامل مع الاتصالات الواردة من اللاجئين الفلسطينيين.
واكد رئيس اللجنة الوزير السابق حسن منيمنة على وجوب ايجاد صيغة تخول الوكالة تغطية كل موجبات هذه المواجهة مالياً وادارياً، واولها تأمين توظيف الجهاز الطبي والتمريضي اللازم، وضرورة تقديم المساعدة للأسر الملتزمة الحجر المنزلي، وان لجنة الحوار ستغطي كلفة الف فحص PCR لصالح الهلال الاحمر الفلسطيني لإجرائها حصراً للمشتبه باصابتهم بالعدوى بين الفلسطينيين والمخالطين منهم لأي مصاب، واستعداد اللجنة لتحمل جزء من اعباء تكاليف هذه الاولويات الاستشفائية للفلسطينيين لمواجهة فيروس كورونا الذي تدل تطوراته على استمراره على الاقل لسنة وازدياد وتيرة انتشاره.