حماسة رئيس مجلس النواب نبيه بري ذهبت سُدى، عندما حاول اقناع رئيس الجمهورية ميشال عون بعد لقائهما الأخير بعودة رئيس مجلس الوزراء السابق سعد الحريري إلىرئاسة الحكومة، رغم عدم ترحيب حليفه الشيعي "حزب الله" بهذا الخيار. هذه الحماسة اختفت بعدما تبين ان كلا من "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية" ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لا يؤيدون عودة الحريري الى رئاسة الحكومة، وقيل انهم ابلغوا هذا الموقف الى باريس وواشنطن، وقيل ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اتصل ببري وابلغه ان الحريري لم يعد خياراً مرجحاً لتولي رئاسة الحكمة الجديدة.
هذه الأجواء، تأتي بعد اجتماع "قصر الصنوبر" الذي شارك فيه كافة الأقطاب ورؤساء الأحزاب، الذين سمعوا ماكرون يقول للحريري ان الاصلاحات المطلوبة لانقاذ لبنان كان ينبغي ان تنفذ ايام حكومته قبل سنتين اثر انتهاء مؤتمر "سيدر" الذي رعته فرنسا لاقرار مساعدات وقروض ميسرة للبنان، وذلك في انتقاد فرنسي واضح للحريري وهذا دليل واضح الى عدم تأييد عودته الى رئاسة الحكومة.
ويأتي سقوط الحريري من لائحة المرشحين لرئاسة الحكومة بعد سقوط الدكتور نواف سلام الذي جوبه برفض "الثنائي الشيعي" و"التيار الوطني الحر" وحلفائهما.
رفع الرئيس بري أصابعه العشرة، بعدما جوبه بالرفض التام، فقد فشل مرّة أخرى بوصول سعد الحريري الى تشكيل حكومة وحدة وطنية، حسب رأيه يمكن أن تساعد في إخراج لبنان من الانهيار الاقتصادي الذي حلّ به.
بدوره الحريري كرّر اقتناعه بأنّ كلّ الأبواب الخارجية والعربية والدولية موصدة أمام لبنان ما دام حزب الله في الحكومة بطريقة أو بأخرى، ويعتبر تغييبه عن أي حكومة لبنانية بمثابة هزيمة له وانتصاراً معنوياً للإدارة الأميركية لا يستطيع تحمّله.
كذلك ينطبق الأمر على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي لا يوجد من يقبل استقباله في العواصم العربية أو الأوروبية الفاعلة أو في الولايات المتّحدة، وذلك بسبب علاقته الوطيدة بحزب الله وتنسيقه المستمرّ معه.
وفيما تكال الاتهامات ضد حزب الله بأنه هو من تسبب بتفاقم الأزمة، اعتبر قياديون ونواب تابعون له في تصريحات منفصلة أن "أزمة لبنان تكمن في تراكمات فساد عمرها أكثر من ثلاثين سنة لم يكن للحزب دور فيها، بل كان من المطالبين دوما بمحاسبة المفسدين أيا كانت انتماءاتهم وطوائفهم، ولطالما قدم الحزب بلاغات للقضاء حول تورط مسؤولين في الدولة بملفات فساد ونهب وإهدار للمال العام".
ما ينتظره اللبنانيون اليوم "حكومة انقاذ" جدية، ليست مقنعة او مستنسخة عن حكومة حسان دياب، فالوضع يحتم وجود حكومة صانعة للمعجزات لم تمر يوماً في تاريخ لبنان، حكومة من "دون سياسيين" لأن الواقع الذي وصل اليه لبنان في اقتصاده وسياسته ووضعه بين الدول يحتاج الى معجزة لإستعادة بعضاً من عافيته .
تنقذ الوضع الذي يتخبط به لبنان، والحكومة تقع عليها مسؤولية انتشال البلد من ازمته، والا لن يرحمها الشعب ولا التاريخ.