تزايدت في الاونة الاخيرة الضغوط المحلية التي تمارس على اللبنانيين بطريقة غير مباشرة، لعودة النائب سعد الحريري الى السراي الكبير، ويلاحظ اللبنانيون بشكل ملموس مدى الاجواء السلبية التي تحيط بهم في وسائل الاعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي والتي تترافق مع ارتفاع ملحوظ في الجرائم والاحداث الامنية، بغلاف التخويف والتحذير من العودة الى الفلتان الامني واجواء الاغتيالات والانقسام الكبير. البعض يعطي تفسيراً بسيطاً لكل هذه الاجواء القاتمة، مفاده ان من يحملون اسم الحريري ويدورون به على اللاعبين المحليين لـ"فرضه" كخيار انقاذي وحيد للبنان، هم المسؤولون عن هذا الجوّ السلبي وينتظرون الضوء الاخضرالدولي للسير به بسرعة اكبر وبزخم فاعل. ويقارب هذا البعض المشهد اليوم بالمشهد الذي حصل عام 1988 بعد ان ابلغ الموفد الاميركي في حينها السفير ريتشارد مورفي العماد ميشال عون جملته الشهيرة "مخايل الضاهر او الفوضى"، فرفض عون الضاهر وسادت الفوضى.
اليوم، يحاول هذا البعض التسويق للمعادلة انما هذه المرة بتعديل بسيط، وبرسالة موجّهة ليس فقط الى رئيس الجمهورية، بل الى كل معارضي المعادلة الجديدة، وخلاصتها "اما الحريري او الفوضى"، ويستشهد بما حصل للحكومة الحالية التي قدم رئيسها استقالتها بعد ان تعرّض لعراقيل عديدة (علماً ان الحكومة لم تحقق اي انجاز يساعدها على المقاومة والصمود)، مع تحذير مبطّن من انّ مصير ايّ حكومة جديدة مهما كان اسم رئيسها (ان لم يكن الحريري) ستلقى المصير نفسه. وتمكّن اصحاب هذه المعادلة من التأثير على الحريري نفسه، الذي اتخذ مواقف مغايرة تماماً لما كان دأب عليه بعد الاستقالة، حيث اطلق النار عشوائياً على كل معارضيه والتحق بقطار رؤساء الحكومات السابقين وتبنى مواقفهم وزاد عليها في بعض الاحيان، فيما يغيب اليوم تماماً عن مسرح التصعيد، حتى بعد اعلان المحكمة الدولية حكمها في جريمة اغتيال والده، واستعاد صورة الشخص الحريص على التوافق وابقاء قنوات الاتصالات مفتوحة مع الجميع. ويرى البعض في البيان الصادر عن الحريري بالأمس والذي شدد فيه على عدم نيته العودة الى رئاسة الحكومة، انه لا يعكس حقيقة مشاعره، ويتخوف من ان حملة رايته سيعمدون الى عرقلة المساعي الحاصلة للتشكيل او حتى العمل على ضرب الحكومة العتيدة اذا ما ولدت، الا في حال واحدة فقط تتمثل بضغط دولي جدي وجاد في سبيل حل الازمة و"فرض" نجاح الحكومة عبر تقديم الدعم اللازم لها، وستكون الأولوية عندها لتخطي الازمة الاقتصادية والمالية.
وفيما تستمر الاتصالات والمساعي على الخط الحكومي، يبقى معرفة توقيت تذليل العقبات الاقليمية والدولية، ليدخل الحريري او من يسمّيه او غيره الى السباق الحكومي ويفوز اما بالضغط او بالتوافق، فيما ستسقط حتماً كل المطالبات بالتغيير والنهوض وبناء لبنان جديد كدولة قانون ومؤسسات، لانّ المحاصصة والتقاسم سيتسيّدان الساحة مجدداً، وسيتنفس اللبنانيون الصعداء ليروا ان ما كانوا يعيشونه في الفترة السابقة هو اقصى ما يمكنهم ان يطمحوا له. ويبدو انه حتى ذلك الحين، لن يدخل التفاؤل الحدود اللبنانية، وسيبقى يشاهد عن بعد "البروباغندا" الداعية الى عودة الحريري كبديل عن حال الضائقة والازمات المتلاحقة. واذا كانت قاعدة "اشتدي يا ازمة بتنفرجي" التي يتم التعويل عليها، فإن المشكلة تكمن في معرفة مدى اشتداد هذه الازمة التي تلازم اللبنانيين وتنمو باضطراد في كل يوم، وتتوسع وتمتدّ من السياسة الى الاقتصاد والمال الى الغذاء الى الامن وغيره... من هنا، تعود الى الواجهة توقعات المحلّلين والمتابعين الذين اصرّوا على ان انفراج الازمة لن يكون قبل الانتخابات الاميركيّة المقبلة، مهما كانت نتيجتها، فهل ستصدق هذه التوقعات، ام انّ وجهة النظر الاخرى القائلة بأنّ النشاط الفرنسي على الخطّ اللبناني، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة وباقي الدول، كفيل بتسريع الخطى واستقطاب الانفراج قبل الموعد المحدّد في تشرين الثاني المقبل، لإعادة لبنان الى اجواء الحركة والحياة الطبيعية التي اشتاق اليها اللبنانيون؟.
الجواب لا يحتاج الى منجّم، بل الى انتظار ما ستستفر عنه الاتصالات على ضوء التطورات في اكثر من بلد، لتصب النتائج كلها في لبنان ويُعرف عندها الخيط الابيض من الاسود.