حَسمها سعد الحريري وجاهَر بعزوفه عن الترشّح الى رئاسة الحكومة. وعشيّة القرار كان وليد جنبلاط يصارح رئيس «تيار المستقبل» بالاسباب التي دفعته الى معارضة تسميته، فما هي دوافع جنبلاط لاستبعاد الحريري؟ وماذا جرى في لقائهما الأخير؟
يؤكّد المطلعون على مناخ لقاء الحريري - جنبلاط امس الأول (في حضور وائل ابو فاعور وغطاس خوري) بأنّه كان صريحاً جداً، وأنّ رئيس «الحزب التقدمي» شرح بالتفصيل لرئيس «المستقبل» الاعتبارات التي أملت عليه عدم تأييد خيار عودته الى السرايا.
ويبدو انّ جنبلاط شعر بأنّه كان من الضروري أن يلتقي الحريري مباشرة حتى يفسّر له حقيقة موقفه، بعيداً من التأويلات والاجتهادات التي تركت صداها السلبي في أرجاء بيت الوسط.
وهناك في أوساط «الاشتراكي» من يكشف بأنّ البعض تَبرّع للحريري بترجمة غير دقيقة لموقف رئيس الحزب، وتَعمّد تضخيمه وتحويره، فارتأى جنبلاط أن يزور بيت الوسط لمعالجة اي التباس محتمل ووضع الأمور في نصابها.
وأثناء اجتماع المصارحة قالها جنبلاط بوضوح للحريري: «اذا عملت رئيس حكومة لن يدعوك تشتغل، وما حصل معك في السابق سيتكرر لأنّ الجماعة ما تغيّروا ولا يبدو انهم في وارد ان يتعاطوا بروحية جديدة.. شو بدّك بهالشغلة يا شيخ سعد.. بَلاها».
امّا الحريري فلم يوح من جهته بأيّ حماسة لتولّي رئاسة الحكومة في هذه المرحلة، وهو أبلغ إلى جنبلاط بأنه يعرف طبيعة الصعوبات والمخاطر التي تنتظره، «ولذلك أنا على المستوى الشخصي لست راغباً في خوض هذه المغامرة، وكل ما في الأمر انه طُرحت عليّ مسألة تكليفي بتشكيل الحكومة الجديدة...».
وعليه، فإنّ كتلة اللقاء الديمقراطي برئاسة تيمور جنبلاط تتجه على الارجح نحو تسمية السفير نواف سلام، اذا دعا الرئيس ميشال عون الى الاستشارات النيابية الملزمة خلال الأيام القليلة المقبلة، مُنطلقة من انّ سلام يوحي بالثقة ويحظى بدعم جزء كبير من الحراك الشعبي، علماً انّ كتلة جنبلاط كانت قد سَمّت أيضاً سلام في الاستشارات السابقة التي أفضَت إلى تكليف حسان دياب.
َونصيحة جنبلاط للحريري برفض اقتراح التكليف كانت نابعة، كما يؤكد المحيطون به، من اقتناعه بأنّ عون وجبران باسيل سيستدرجان رئيس «المستقبل» مرة أخرى الى مستنقع المساومات والاستنزاف، إضافة إلى أنّ التركيبة الحكومية الجديدة يجب أن تراعي، في رأي جنبلاط، التحولات التي طرأت على المزاج الشعبي الذي لم يعد يَتقبّل بعد 17 تشرين الاول 2019 حكومات تقليدية يطغى عليها الحضور الحزبي.
وبالنسبة إلى جنبلاط، لم يكن موقفه موجّهاً ضد شخص الحريري في حد ذاته، إنما ارتبط تحديداً بعدم توافر الظروف المناسبة لنجاحه. وبالتالي، فإنّ رئيس «الاشتراكي» كان واثقاً، وفق القريبين منه، في انّ رئيس «المستقبل» سيواجه مجدداً، لو جرى تكليفه، النمط القديم في التأليف والاصرار على حصص شخصية وفئوية من قبل عون وباسيل، «واذا تمكّن من تشكيل الحكومة بعد معاناة، فإنه سيصطدم بالعرقلة والتعطيل على طاولة مجلس الوزراء كما كان يحصل في السابق».
وما عزّز اقتناع جنبلاط بأن لا جدوى من عودة الحريري الى رئاسة الحكومة في هذا التوقيت هو ما وَصله عن حصيلة النقاش بين الرئيس نبيه بري وباسيل «الذي تبيّن انه لا يزال يقيم في عالم آخر»، كما تقول أوساط «الاشتراكي».
وعليه، فإنّ المطلوب من وجهة نظر «الحزب التقدمي الاشتراكي» تشكيل حكومة موثوقة، تتصالح مع الناس، وتستطيع تحقيق الإصلاح الجدي عبر شخصيات كفوءة وغير حزبية، على أن تشكّل القوى السياسية رافعة لها من خارجها، «وإلّا مطرحك يا واقف».
وتحذّر أوساط «الاشتراكي» من انّ أي حكومة تخضع في تشكيلها الى المحاصصة المَمجوجة والهيمنة الحزبية لن تجد قبولاً، «حتى لو كان خلفها دونالد ترامب ومانويل ماكرون».
ويعكس هذا التحسّس الجنبلاطي الحاد إزاء تجديد الشراكة او التسوية مع العهد و«التيار» عمق الهوّة السياسية بين عون وجنبلاط، والتي لم يؤد اتصال الأول بالثاني قبل فترة في رَدم ولو جزء منها، بل انّ أحد قياديي «الاشتراكي» يعتبر انّ التجارب أظهرت انّ الحوار مع عون لا يفضي سوى إلى نتيجة واحدة، وهي: «دق المَي بتضلّها مَي».