يعدّ «الحادث الأمني» الذي أعلن عنه الناطق باسم جيش الاحتلال أول من أمس، حدثاً مستنسخاً عن مثيله في الشهر الماضي في مزارع شبعا، الذي أدى أيضاً الى اشتباك «إسرائيل» مع نفسها بعد أن شخّصت أشباحاً مقاومين تسللوا وتموضعوا بالقرب من مواقعها العسكرية: استنفار وجاهزية دفاعية - هجومية، إنزال المستوطنين الى الملاجئ وإقفال الطرق والمنافذ من المستوطنات واليها وأماكن الانتشار العسكري، إضافة الى الانكفاء للخلف وإطلاق مئات القنابل المضيئة والدخانية على جانبي الحدود.
وبصرف النظر عمّا إذا كانت رواية إطلاق النار من لبنان على موقع رصد عسكري للاحتلال صحيحة أم أنها تعبير عملي يعكس واقع القلق ومستواه لدى الجنود، إلا أن الثابت أن «إسرائيل» ما زالت تدفع ثمن جريمة قتل المقاوم علي محسن في سوريا، الذي سقط في الاعتداء الإسرائيلي على موقع بالقرب من مطار دمشق، الشهر الماضي.
وعلى غرار ‹الحدث الأمني» الأول جاء الثاني: بلبلبة وتضارب روايات وتعظيم وقائع وكثير من التساؤلات التي لم تنته مع انتهاء «الحادث»، ومن بينها تأكيد أن «إسرائيل» غير معنية بالتسبب بمواجهة مع حزب الله، وهو ما يؤدي بدوره إلى فقدان ردعها أو تقليصه كما يرى معلقون عسكريون إسرائيليون، ويزيد «شجاعة» الطرف الآخر على المبادرة إلى تحدّيها.
والرد «المدروس» وغير المفضي إلى رد مقابل على الرد، وهو ما قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنه جاء رمزياً، قد يكون مسبب إطلاق التهديدات المنفلتة الواردة من تل أبيب في اليوم التالي على الحادث الأمني، إذ أكد رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو أن «إسرائيل تنظر ببالغ الخطورة إلى حادث إطلاق النار من قبل عناصر حزب الله باتجاه قوة من الجيش الاسرائيلي»، موضحاً «أننا سنرد بقوة على أي اعتداء». وفي تغريدة له على تويتر، حذّر نتنياهو حزب الله من «اختبار قوة إسرائيل» قائلاً إن الحزب يعرّض لبنان مرة جديدة للخطر.
بدوره أكد وزير الأمن بني غانتس أن «إسرائيل لن تسمح لحزب الله باستهداف جنودها وأراضيها»، مهدداً بـ«رد شديد على أي حادث على الحدود». وجال رئيس الأركان أفيف كوخافي على القوات المنتشرة شمالاً، وأكد للمراسلين الذين رافقوه أن «الجيش الإسرائيلي سيواصل الحفاظ على حالة تأهب عالية لضمان أمن السكان والسيادة بوجه التهديدات المنطلقة من لبنان وسوريا».
في التعليقات، برزت قراءة موقع «واللا» العبري، الذي شدد على ضرورة توضيح جملة حقائق أمام الجمهور الإسرائيلي، وتحديداً ما يتعلق «بتبعات إرادة إسرائيل الابتعاد عن مواجهة حزب الله». وبحسب الموقع، أنها المرة الثانية خلال شهر واحد، يحاول حزب الله استهداف جنود إسرائيليين انطلاقاً من الأراضي اللبنانية، وفي المقابل «يبدو أن قيادة المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي تعمل وفقاً للرغبة في احتواء عمليات حزب الله ومنع التسبب في نشوب حرب، إذ لم تكن هناك رغبة في الحرب ولا في أيام قتالية رغم أنها كانت المحاولة الثانية في أقل من شهر لقتل وإصابة جنود». ووفقاً للموقع، «إرادة اللاحرب من جانب إسرائيل تؤدي إلى استمرار تهديد حزب الله والعمل على تشكيل توازن ردع جديد معها».
«واللا»: إرادة اللاحرب من جانب إسرائيل تؤدي إلى تشكيل توازن ردع جديد معها
من ناحية العدو، يتعلق الأمر بعملية قنص جنود إسرائيليين لم تتكلل بالنجاح. إن كانت كذلك، فهل أخطأ القناصون؟ وماذا عن مقبل الأيام، وتقديرات إسرائيل إزاءها؟
واضح أن «عملية القنص» تؤكد من جديد إرادة الرد لدى حزب الله، وإن لم يكن بحاجة إلى تأكيد عملي على الحدود بعد تشديد الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، قبل نحو أسبوعين، أن الرد آت. أيضاً من ناحية «إسرائيل»، الاستنفار المجبول بالانكفاء عن الحدود والعمل على محاولة تصفير الأهداف أمام حزب الله، سيستمر للفترة المقبلة مع العمل على تفادي الأسوأ، الأمر الذي وردت تأكيدات له على لسان المراسلين العسكريين، نقلاً عن مصادر رفيعة في جيش الاحتلال. ومن المتوقع أن تستمر هذه الإجراءات، مع إعلان السيد نصر الله مساء أمس أنه لن يعلّق على ما جرى في الجنوب في الليلة السابقة، معتبراً أن الحدث مهم، مرجئاً التعليق إلى وقت لاحق.
تواصل «إسرائيل» دفع أثمان جريمة استهداف المقاوم الشهيد علي محسن في اعتداء على موقع قرب مطار دمشق الشهر الماضي، وهي أثمان تتعلق بهيبة الجيش الإسرائيلي ومستوى رادعيته واضطراره مرغماً إلى البقاء على جاهزية مجهدة في انكفاء دفاعي لافت في وجه لبنان، فيما انتظار الرد على حاله.