لم يكن إنفجار بيروت في الرابع من آب كارثياً على لبنان واللبنانيين فقط، بل شكّل رصاصة رحمة لرئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الذي استقال بعد 6 أيام فقط. واليوم، وبعد 18 يوماً على الإستقالة أعلنت رئاسة الجمهورية تحديد الإثنين المقبل موعداً للإستشارات النيابية الملزمة، لإختيار رئيس الحكومة المقبل وفق تسميات الكتل النيابية.
رغم المعادلة التي أُرسيت سابقا، بوجوب الإتفاق على إسم المرشح من قبل الغالبيّة النيابية قبل التوجه إلى الإستشارات، إلا أنه حسب ما هو ظاهر حتى الآن، فالدعوة أتت قبل الإتفاق على شخصية، رغم كل الإجتماعات الّتي حصلت في الأيام والساعات الماضية. أمام هذا الواقع، يمكن أن تحمل إستشارات الإثنين سيناريوهات عديدة:
السيناريو الأول والأكثر تداولاً هو التسوية التي عمل عليها لأيام النائب علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، مع رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، القائمة على تسمية الأخير لإحدى الشخصيات على أن يدعمها الثنائي الشيعي والوطني الحر، شرط ألاّ تكون شخصية استفزازية لهم كالسفير نواف سلام.
السيناريو الثاني، والذي يضعنا أمام مشهد شبيه بحكومة حسان دياب، هي عدم الإتفاق مع رئيس تيار المستقبل حول إسم موحّد في الساعات التي تسبق الإستشارات (خصوصاً مع رفضه البوح بمن سيسميه)، وبالتالي ستذهب الأكثرية (لبنان القوي–الوفاء للمقاومة–التنمية والتحرير) نحو إسم جديد يكون محسوب عليهم، أي نسخة جديدة عن حكومة دياب.
السيناريو الثالث المطروح هو أن تثمر الإتصالات المكثفة التي تجري في الظلّ، للوصول إلى اسم توافقي جامع بين معظم الأفرقاء السياسيين.
السيناريو الرابع، هو إعادة ما حصل بعد استقالة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري الأخيرة، أي تأجيل الإستشارات قبل وقت قليل من بدئها بسبب عدم التوافق. بالتالي، إن كل ما هو مطروح يعتمد على قرار الحريري بالتسمية، وبعد ذلك يصبح كل شيء بروتوكولياً.
أما السيناريو الخامس، فهو أن يبقى رئيس تيار المستقبل، الذي سيكون أول الواصلين إلى الإستشارات، متكتماً على الإسم الذي سيطرحه حتى يوم الإثنين، ويطلق هناك مفاجأته باختيار لا يقبل به الثنائي الشيعي ولا التيار الوطني الحر، فحينها يذهب هذا الفريق الأخير إلى تسمية الحريري نفسه، وهو الذي كان أعلن رفضه تسلم هذا المنصب، وبالتالي ستؤدي كثرة الخيارات الموجودة وعدم حصول أي اسم على أكثرية الأصوات إلى تطيير الإستشارات أيضاً أو تأجيلها.
بناء على ما سبق، يبقى مستغرباً تحديد موعد للإستشارات النيابية من دون التوافق المسبق على إسم والبحث معه في خطته الحكومية، حسب الصيغة التي اعتُمِدتْ سابقا وهي "التأليف قبل التكليف"، وهنا لا بدّ من طرح سؤال "هل تم اختيار موعد الإستشارات في اليوم الذي يسبق زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، للإيحاء له بأن القوى السياسية تعمل على حلحلة الأوضاع الموجودة كما طلب؟ أم ان ما يحصل هو فقط صوري قبل زيارة الرئيس الفرنسي؟.
هنا يمكن ربط هذا الموقف بما نُقل عن مسؤول بالرئاسة الفرنسية قوله أن "الوقت حان لتنحي الأحزاب السياسية اللبنانية جانباً موقتاً لضمان تشكيل حكومة تعمل على التغيير"، إلا أن تجارب لبنان السابقة لا توحي بأن ذلك ممكن، ومن الصعب أن يحصل الآن في أوج الازمة السياسية.
بعيدا عن هذه التكهنات والسيناريوهات المطروحة، الأكيد الوحيد أن الصورة ضبابية حتّى يوم الإثنين، وأن موعد الإستشارات سيحمل معه مفاجآت عديدة في ظل كل الطروحات والسيناريوهات المتعدّدة. والسؤال هنا أبعد من مجرد إستشارات وتكليف إسم، الإشكالية الأساس هنا، ماذا ستحمل معها الحكومة الجديدة للمواطن اللبناني الذي يعيش أسوأ أيامه؟.