فجأة وبسحر ساحر باتت الجمعيات تقوم بما يجب أن تقوم به أصلاً المؤسسات العامة لناحية مساعدة المتضررين من إنفجار مرفأ بيروت، وإستلام المساعدات التي تصل الى لبنان من الدول المانحة، إضافة الى توزيعها على من تريد ومن دون حسيب أو رقيب. فجأة وبسحر ساحر تحوّل جميع الذين تشاهدونهم على الأرض والشاشات، بإستثناء الجيش والصليب الأحمر والدفاع المدني والشرطة البلدية، الى متطوعين وفاعلي خير لا يبغون الربح. ولأن الفلتان قائم على هذا الصعيد وما من جهة يمكنها مراقبة اعمال توزيع المساعدات وهي بملايين الدولارات، إرتفعت شهية المواطنين على تفعيل الجمعيات، لا على تأسيس جمعيات جديدة، لماذا؟ لأن التأسيس يحتاج الى فترة زمنية تتراوح بين شهرين وستة أشهر للحصول على علم وخبر من وزارة الداخلية والبلديات، ولأن الداخلية مضطرة الى مراجعة الوزارات المعنية بعمل الجمعية صاحبة الطلب، قبل إعطاء العلم والخبر، على سبيل المثال لا الحصر، إذا كان عمل الجمعية يهدف الى مكافحة المخدرات، يجب مراجعة وزارة الداخلية وإذا كانت تنوي العمل بنزع الألغام تتم مراجعة وزارة الدفاع، وإذا كان هدفها مساعدة المحتاجين، فتراجع وزارة الشؤون الإجتماعية، وكل هذه المراجعات تحتاج الى مراسلات قد تأخذ أشهر عدة.
لكل ما تقدم تكشف المعلومات أن طلبات الحصول على علم وخبر الواردة الى وزارة الداخلية لم تسجل إرتفاعاً ملحوظاً بعد إنفجار الرابع من آب، الإرتفاع كان لافتاً على مستويين:
المستوى الأول، تشرحه المصادر المتابعة على الشكل التالي:
كثيرون هم المواطنون الذين قصدوا وزارة الداخلية والبلديات، للمراجعة بطلبات سبق أن تقدموا بها قبل أشهر بهدف الحصول على علم وخبر لجمعيات عدة، كل ذلك لأن المراجعة بطلب جمعية وإستكمال ما يحتاجها ملفها من مستندات تطلبها الوزارة، هو أسهل وأسرع بكثير من تقديم طلب جديد وجمع المستندات المطلوبة.
أما المستوى الثاني، فسجل على صعيد طلبات الإفادات، لجمعيات عملها توقف منذ سنوات. وبمعنى آخر، يفرض قانون الجمعيات على كل جمعية تقديم موزانة وقطع حساب عن مصاريفها ومداخيلها السنوية مع حلول شهر كانون الثاني من كل عام، وبناء على هذه الإفادة يمكن للجمعية ان تحصل على إفادة تجعل من عملها قانونياً تجاه القوى الأمنية والسلطات المعنية. هذا ما شهدته مكاتب وزارة الداخلية والبلديات في الحمرا خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث قرر كثيرون تسوية اوضاع جمعياتهم المتوقفة عن العمل، لإعادة تفعيل عملها على الأرض، خصوصاً في زمن تأتي فيه المساعدات الى لبنان من كل حدب وصوب.
إذاً الى إعادة تفعيل جمعيات هي فعلياً مائتة ومنذ سنوات، يتجه الكثيرون للعودة الى الشارع والإلتحاق بمئات الجمعيات التي تعمل على الأرض في مار مخايل والجميزة والرميل والكرنتينا والمناطق الأخرى. جمعيات لا يمكن ولا يجب أن تترك من دون رقابة، خصوصاً أن مشكلة المجتمع الدولي مع الدولة اللبنانية لطالما كانت في الشفافية لمكافحة الفساد، فما الذي يمنع الفساد في عمل هذه الجمعيات إذا عملت من دون رقابة؟.