لفت الرئيس العام الجديد للرهبانية الباسيلية الشويرية الأرشمندريت برنار توما، خلال احتفاله بالقداس في دير مار يوحنا الصابغ - الخنشارة، لمناسبة تذكار قطع رأس يوحنا المعمدان، شفيع الدير، إلى أنّ "حالة من الحزن تَشعر بها الكنيسة في هذا العيد، حيث تتفاقم الأزمات الواحدة تلو الأُخرى".
وأشار إلى "أنّنا ها نحن اليوم نعيّد بحضور عدد قليل من المؤمنين الأحبّاء بداعي الوباء المستشري وفي ظلّ أزمة اقتصاديّة خانقة لم يعرفها لبنان ولا في أحلك أوقاته وأصعبها. كما نعيّد وفي القلب غصّة على الفاجعة الأليمة الّتي حلّت ببيروت وخلّفت الدمار والركام والموت. نعيّد والكرامة الإنسانيّة منهكة ومستباحة والمسؤولون في غيبة عنها، حتّى لا أقول في غيبوبة، يتناتشون المصالح الضيّقة ويهملون غاية الناموس أي الرحمة والعدل".
وركّز توما على أنّ "هذا من جهة، ومن جهة أُخرى تعيّد الكنيسة اليوم وتتذكّر حادثة أليمة وهي رقصة خادعة في جلسة خالعة، أدّت بنهاية السابق المجيد بهذه الطريقة المأساويّة. فالكنيسة تطالع قصّة المرأة الفاجرة هيروديا، كيف تربّصت بالمعمدان، وكيف كانت له هذه النهاية المؤلمة، الّتي أحزنت حتّى القاتل نفسه هيرودس الطاغية"، منوّهًا إلى أنّه "لا يُخفى على أحد أنّ الملك هيرودس تميّز بأنّه من أكثر الملوك دمويّة وأكثرهم بطشًا وقساوةً، ومع هذا كلّه كان يهاب يوحنا المعمدان لأنّه كان إنسانًا بارًّا قدّيسًا. فيوحنا المعمدان هو ممجّد الآن في السماء وينتظر القيامة العامة والدينونة".
وشدّد على أنّ "كنيسة اليوم تتألّم حزنًا على وضع البشريّة، فبشريّة اليوم يتجسّد فيها هذا القتل الدموي بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى. فالقتل ليس شرطًا أن تسيل الدماء فقط، بل أيضًا عندما تكفّر البشريّة بكلّ القيم الّتي يوحنا المعمدان مات لأجلها. فلدى يوحنا غيرة عظيمة جدًّا، لدرجة أنّه وبّخ الملك "لا يسمح لك أن تأخذ امرأة أخيك"، وقد حدّد سفر اللاويين بمن يتزوّج الإنسان، وبمن لا يحقّ له أن يتزوّج".
وفسّر أنّ "بحسب الشريعة، فيليبس أخ هيرودس ما زال حيًّا فلا يحقّ له أن يتزوّج امرأته. وكانت هيروديا تعرف جيّدًا أنّها خالفت الشريعة بهذا الزواج الآثر. فحنقت على المعمدان، لأنّه لم يكن يوجد أي شخص يجرؤ على أن يقول لها هذه الحقيقة غير يوحنا المعمدان. وهذا أيضًا يتكرّر في أيامنا لكن بشكل آخر، فالبشر اليوم يرون الحقائق أمامهم ناصعة، ومع ذلك يحاولون بكلّ ما أوتيوا من أفكار وحجج وأقوال وأعمال إخفاء الحقيقة الساطعة".
كما ذكر توما أنّ "البشرية اليوم تقتل بعضها البعض بالكلام والفعل والعمل والتجريح، أي بطريقة أشدّ فتكًا من هيرودوس، بحيث أصبح إنسان اليوم أرخص سلعة موجودة في هذا الكون وباتت إراقة الدم وإنهاء حياة إنسان بطريقة مؤلمة مثل نهاية يوحنا المعمدان أمرًا سهلًا جدًّا. كم أصبحنا بحاجة ماسّة، ضروريّة جدًّا لجرأة يوحنا المعمدان وشهادته".
ودعا الكهنة والرهبان الشويريّين إلى أن "يتمثّلوا بشفيعهم، أعظم مواليد النساء وأن يتحلّوا بغيرته على الحق، بجرأته على نصرة الضعفاء والمشرّدين وأن يكونوا شهودًا للحقّ".