على هامش تسمية رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب، هناك مجموعة من المؤشرات التي سيكون لها تداعيات على مستوى العلاقة بين بعض الأفرقاء السياسيين في المرحلة المقبلة، لا سيما على مستوى البيت السني الداخلي، حيث برز دور نادي رؤساء الحكومات السابقين في إختيار خليفتهم، بتغطية من قبل قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر"، على حساب أعضاء "اللقاء التشاوري".
في المقابل، كان من الواضح أن التسوية التي حصلت، بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" و"حركة أمل" وتيار "المستقبل"، تحظى بغطاء كامل من الجانب الفرنسي، مقابل عدم ممانعة من الجانب الأميركي وعدم رضا من الجانب الخليجي، حيث رأى الأخير في ما حصل إنتقاصاً من موقع رئاسة الحكومة، يمهد الطريق نحو إسقاط إتفاق الطائف، اضطر رؤساء الحكومات السابقين إلى التماهي معه بسبب عدم القدرة على الوقوف بوجه قوة الضغط الدولية الدافعة، الأمر الذي عبرت عنه بعض الشخصيات السنية كالنائب نهاد المشنوق، ورجل الأعمال بهاء الدين الحريري.
وفي حين بات محسوماً أن حكومة أديب لن تعمر طويلاً، بحال شُكّلت سريعا، نظراً إلى أن المطلوب منها "تمرير" الوقت إلى حين وضوح المشهد على الساحتين الإقليمية والدولية، خصوصاً على مستوى إستحقاق الإنتخابات الرئاسة الأميركية، بحسب ما تؤكد أوساط مطلعة عبر "النشرة"، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إلى الموافقة على المعادلة التي كان يرفضها قبل أشهر، يبدو أن الطريق إلى التسمية لم تكن سالكة بشكل شبه تام بين رؤساء الحكومات السابقين.
وتشير هذه الأوساط إلى أن رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي نجح في تكريس معادلة زعامته على الساحة الطرابلسية، التي كان الحريري في الأصل قد سلم بها بعد الإنتخابات النيابية الماضية، فأديب كان مدير مكتب ميقاتي عندما كان الأخير رئيساً للحكومة وهو من الشخصيات المقربة منه، بينما كان المطروح، في الأيام الماضية، أن يكون رئيس الحكومة العتيدة من الشخصيات المقربة من الحريري.
وتلفت الأوساط نفسها إلى أن الحريري سعى إلى توجيه أكثر من رسالة على هذا الصعيد، عبر الذهاب إلى طرح أسماء من طرابلس، كالوزيرين السابقين ريا الحسن ورشيد درباس والنائب سمير الجسر، في حين كان ميقاتي يعمل على التسويق لأديب، الذي تربطه علاقات إيجابية مع الدوائر الفرنسية التي باتت مقرراً أساسياً في الحياة السياسية اللبنانية في المرحلة الراهنة.
في الجانب المقابل، لم يكن الوضع داخل "اللقاء التشاوري" أفضل حالا، فالنواب السنة المستقلين، الذين أسسوا تكتلاً لضمان تمثيلهم في حكومة سعد الحريري التي جاءت بعد الإنتخابات النيابية، عاتبون على الحلفاء من الأسلوب الذي تم فيه التوافق على تسمية أديب، بحسب ما تكشف مصادر مطلعة لـ"النشرة"، حيث تم تجاهل وجهة نظرهم مقابل تعزيز حضور الفريق الآخر داخل الطائفة، الأمر الذي عبروا عنه برفض تسمية أي شخصية لرئاسة الحكومة في الإستشارات النيابية.
بالتزامن، لا تخفي هذه المصادر وجود مصالح تقف خلف هذا القرار، فأديب هو ابن مدينة طرابلس المحسوب على ميقاتي والقريب من "المستقبل"، وبالتالي لا يمكن أن يذهب النائب فيصل كرامي إلى تسميته، والأمر نفسه ينطبق على رئيس حزب "الإتحاد" النائب عبد الرحيم مراد والنواب جهاد الصمد والوليد سكرية وعدنان طرابلسي، الذين لا يمكن أن يسموا شخصاً محسوباً على خصومهم في الساحة السنية، في حين أن النائب قاسم هاشم يعتبر نفسه محسوباً في التسمية على كتلة "التنمية والتحرير"، التي سمت أديب.
في المشهد الأوسع، داخل البيئة السنية من يعمم أن كل ما حصل يصب في خانة شرذمة الطائفة على نحو أوسع، الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف حضورها على مستوى مؤسسات الدولة، بدليل أن الأسماء التي باتت ترشح لهذا المنصب لا تمثل أي ثقل سياسي، وباتت أقرب إلى نموذج الموظفين.