بدا رّئيس الحكومة الأسبق سعد الدّين الحريري، بعد تسمية كتلة المستقبل الدّكتور مصطفى أديب لرئاسة الحكومة العتيدة، في وضعٍ لا يُحسد عليه. فعينُه كانت -دون جدوى- على رّئاسة الحكومة، غير أَنّ الامتعاض السّعوديّ منه، يحول دون ذلك... وهيهات لو كان يقوى على البوح بكوامن نفسه.
وقد دفع عجز سعد، بأخيه بهاء، إِلى الواجهة مُجدّدًا، محاولاً تسجيل نقاطٍ لمصلحته في السّباق على الكُرسيّ الثّالثة داخل العائلة الواحدة، حتّى أَنّ المشهد بدا، وكأَنّنا أَمام رئاسة مجلس إدارة شركةٍ محدودة المسؤوليّة...
إِلاّ أَنّ سعدًا، يبدو مُطمئنّ البال، قرير العين من هذه النّاحية، فهو لطالما زرع في نُفوس مُؤَيّديه، كما وخصومه السّياسيّين، أَنّ بعده لا اعتدال، ولا تعقُّل، ولا تدوير للزّوايا، ولا غطاء حُكوميًّا لـ"حزب الله"، على رغم أَنّ "الحزب" قد فرض نفسه، ومُنذ ما قبل تلهّي الحريري باللُّعبة السّياسيّة، رقمًا صعبًا في المُعادلة اللّبنانيّة... وعلى الرّغم أَيضًا، من أَنّ حصّة "الحزب" الحُكوميّة، لطالما كانت في الحُكومات السّابقة كلّها، بحجم تمثيله السّياسيّ في البرلمان، إِلاّ إِذا ما أَراد "الحزب" التّنازل عنها طوعًا، أَو تجييرها لمن يرغب فيه...
كما ويُحاول سعد أن يوحي أَنّ "بعده الطُّوفان"، مع أَنّه في التّوجّه إِلى قصر بعبدا لتقديم الاستقالة الحكوميّة "إذا ما حزّت المحزوزيّة"، سريع الجري!. غير أَنّ الهدف من "رفع الحريري سعره"، هو الحُصول على صلاحيّاتٍ استثنائيّةٍ، يُلغي مِن خلالها سعد، البرتقاليّة السّياسيّة كما ولا يعترف انفتاحه، بكلّ من منح "التيّار الوطنيّ الحرّ" صوته في الانتخابات النّيابيّة الأَخيرة...
وأَشاع سعد أَن حتّى بهاء، يُشكّل "فزّاعةً" في توجّهاته كما وفي مواقفه المُتشدّدة، ليُصار إِلى استنتاج أَنّ سعدًا في الحُكومة أو لا أَحد، وأَنّه، كي يقبل بهذه "الخدمة" المُقدّمة إِلى الوطن في قبوله المسؤوليّة، ينبغي أَن يُمنح "شيكًا على بياضٍ"، و"صلاحيّاتٍ استثنائيّة"، لا بل إِلغائيّة!.
غير أَنّ شيئًا لم يتغيّر مُنذ استقالة الحريري الأَخيرة إِلى اليوم، لا بل إِنّ الأَوضاع ازدادت سوءًا... لا بل تفجيرًا!. وإذا كان الحريري لم يتحمّل المسؤوليّة، بعد نحو أُسبوعين فقط من الاحتجاجات الشّعبيّة الّتي هزّت البلاد، فكيف يتحمّلها الآن بعد سقوط عشرات الشّهداء ومئات الجرحى ودمار المرفأ ومحيطه؟.
وما قاله سعد الحريري في استقالته في 29 تشرين الأَوّل 2019، ما زال صالحًا، وما تغيّر شيء في المُعادلة، إِلاّ أَنّها ازدادت تفاقُمًا وفي شكلٍ دراماتيكيٍّ، وما عادت تصلُح في الوضع مقولة "إِللّي شَبَكْنا يْخلِّصنا"!.
وفي كلمته المُقتضَبة "إِلى الشّعب اللُّبنانيّ"، قال الحريري: "منذ 13 يومًا والشّعب اللُّبنانيّ ينتظر قرارًا بحلٍّ سياسيٍّ يوقف التّدهور. وأَنا حاولت خلال هذه الفترة أَن أَجد مخرجًا نستمع من خلاله إِلى صوت النّاس، ونحمي البلد من المخاطر الأَمنيّة والاقتصاديّة والمعيشيّة"... غير أَنّ المحاولة "الحريريّة" باءت وقتها بالفشل، فكيف يُؤمل مِنها أَن تنجح اليوم، بعد نيّفٍ وثمانية أَشهرٍ من التّعقيدات المُتواصلة للوضع؟...
وقال حينها: "لا أُخفيكم وصلتُ إِلى طريقٍ مسدودٍ، وصار واجبًا عمل صدمةٍ كبيرةٍ مِن أَجل مُواجهة الأَزمة"، فهل حلّ عليه الوحي التّشرينيّ؟...
وقال: "سأَتوجّه إِلى قصر بعبدا، لتقديم استقالة الحُكُومة إِلى رئيس الجمهوريّة ميشال عون وإِلى الشّعب اللُّبنانيّ، تجاوبًا مع إِرادة الكثير من اللُّبنانيّين الّذين نزلوا إِلى السّاحات للمُطالبة بالتّغيير".
إِنّ الدّعوة إلى التّغيير، وتُضاف إِليها -هذه المرّة- الدّعوة إِلى المُحاسبة، باتتا أَكثر إِلحاحًا، فصونًا لدماء الشُّهداء، وكرمى لعُيُون الثّكالى، واحترامًا لكلّ من أَصابه ضررٌ... وكلُّنا مُتضرّرون... فليُسمِّ النُّوّاب شخصيّةً مقدامةً، لا يشوب التّردُّد طباعها، كما ولا تُشكّل "فزّاعةً"، لأَنّ اللُّبنانيّين لا يخشون "الفزَّاعات"، على اعتبار أَنّ ثقتهم بجيشهم أَقوى من خوفهم على المصير!.