يخطو الرئيس مصطفى أديب اليوم خطوته الأولى في اتجاه تأليف الحكومة من خلال اجرائه استشارات نيابية غير ملزمة مع الكتل النيابية والنواب المستقلين في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، عوضاً عن مقر مجلس النواب الذي تضرر بفعل الانفجار الذي حصل في مرفأ بيروت في الرابع من آب الماضي.
من البديهي القول ان الرئيس المكلف سيكون مستحقاً بامتياز إلى ما سيودعه اياه النواب في ما خص شكل الحكومة وما يتمنون ان يتضمنه البيان الوزاري للحكومة العتيدة، كما سيتعامل بمرونة فائقة مع أي شروط يمكن ان تطرحها هذه الكتلة أو تلك للمشاركة في الحكومة وفي نهاية المطاف سيقوم بجوجلة كل الأفكار والمطالب التي طرحت لكي يُبنى على الشيء مقتضاه والصعود إلى قصر بعبدا لإطلاع رئيس الجمهورية على ما انتهى إليه بالنسبة لعملية التأليف.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، هل ستكون عملية التأليف مشابهة من حيث السهولة والسلاسة عملية التأليف؟
المعطيات المتوافرة إلى الآن تؤكد بأن الإيجابيات التي طبعت التكليف ستنسحب حكماً على التأليف، فكما رافق حضور الرئيس المكلف على المسرح الحكومي غطاء دولي تقوده فرنسا بموافقة الولايات المتحدة الأميركية سيرافق هذا الغطاء أيضاً عملية التكليف بعد ان يكون الدبلوماسي مصطفى أديب قد أنجز الاستشارات التي يفترض ان تكون خارطة طريق لولادة حكومته التي ستكون متكئة على ثقل فرنسي غير عادي.. فباريس الذي شاركت لبنان في احتفال مئوية لبنان الكبير حتماً ستقود حملة تغطية الحكومة العتيدة وتأمين الغطاء الدولي لها.
الغطاء الدولي الذي رافق أديب إلى المسرح الحكومي سيرافقه في رحلته في تشكيل الحكومة
وإذا كانت هناك رغبة دولية ما في مساعدة لبنان على الخروج من أزماته والحؤول دون الوقوع في أي فراغ سياسي، فماذا عن الداخل، وهل هناك من عراقيل يمكن ان تواجه الرئيس المكلف.
وفق المعلومات فإنه لا خوف من الثنائي الشيعي الذي أبلغ المعنيين انه غير معني بأي نوع من الحقائب والحصص وأن هدفه الأوّل والأخير ان يرى في لبنان حكومة قادرة وفاعلة تنقذ لبنان من أزماته. لكن الخوف الحقيقي هو من التيار الوطني الحر الذي توجد الكرة الآن في ملعبه، وهذا ناجم عن خوف لدى «التيار» نفسه من ان يكون هناك شروط تعجيزية عبر محاولة سلبه مجموعة حقائب يتمسك بها مثل وزارتي الخارجية والطاقة، كما ان «التيار» يمكن ان يكون المسهل الأساس في عملية التكليف من خلال أخذ الموقف ذاته الذي يتخذه الثنائي الشيعي من مسألة توزيع الحقائب.
وفي موازاة ذلك فإن مصادر سياسية عليمة تعرب عن مخاوفها من محاولة البعض حشر الحكومة قبل انطلاقها من خلال الإعلان المسبق عن عدم المشاركة أو فرض شروط تعجيزية وكأنهم بذلك يحاولون الذهاب بالأمور باتجاه تأليف حكومة اللون الواحد على غرار ما حصل مع الرئيس حسان دياب وبذلك تفقد الحكومة المقبلة الغطاء الدولي ويحجب عنها أي دعم من أي نوع.
وفي رأي المصادر انه طالما ان لبنان محاصر بمجموعة أزمات وكوارث وينتقل من «جورة» إلى «جورة» فإنه من الضروري ان تكون هناك حكومة في وقت قريب لأن المدى الزمني للبنان يقاس بأسابيع إن لم نقل بأيام ليصبح في حكم البلد المنهار على كل المستويات وخصوصاً على المستوى الاقتصادي، فتشكيل الحكومة يمكن ان يضع أول خطوة على طريق الخروج من هذه الأزمات، لكن ليس تشكيل حكومة كيف ما كان، فالازمة الراهنة تتطلب نوعية حكومة ليس بمعنى حكومة اختصاصيين بل حكومة تقنية بحيث يكون لها ثقل في النوعية والكفاءة والتركيبة وأن تكون ايضا محصنة سياسيا من خلال وزراء سياسيين وكذلك وزراء دولة.
وتقول المصادر ان الرئيس المكلف سيواجه اختبارات صعبة بفعل التركيبة السياسية الموجودة، وهو ربما يستنزف خلال رحلته في البحث عن توليفة حكومية تكون قادرة على مقاربة الاستحقاقات والتحديات الموجودة والعمل على معالجتها، وفي حال نجحت القوى السياسية الموجودة في محاصرة الرئيس المكلف فإنه لن يستطيع احداث أي خرق في جدار الأزمة وبالتالي سيفقد سريعاً أي نقطة داخلية أو خارجية يمكن ان تعطى له في بداية مشواره.
في مقابل ذلك، يكشف مصدر وزاري سابق ان الإدارة الأميركية لم تعطِ فرنسا التفويض الكامل لكي تقوم بما تشاء في لبنان، وأن هناك مهلة معطاة للرئيس الفرنسي بإيجاد الحلول في لبنان وتأليف حكومة قوية هي حتى الخامس عشر من أيلول الحالي، متوقفة عند الطرح الفرنسي المتعلق بالعقد السياسي الجديد والذي لا ترى له أي بارقة أمل لتحقيقه في لبنان سيما ان المملكة العربية السعودية وقوى داخلية كثيرة ترفض مثل هذا الطرح الذي سارع السيّد حسن نصر الله إلى تأييده والبناء عليه.
ويؤكد هذا المصدر ان مهمة الرئيس المكلف لن تكون مسهّلة كما يعتقد البعض رغم ما يحاول البعض الايحاء به عن وجود دعم وغطاء دولي لهذه الحكومة، معربة عن خوفها من ان يرتكب الأخطاء ذاتها التي ارتكبها سلفه الرئيس دياب خصوصا في ما يتعلق بالاصلاحات وعدم التجاوب مع الرعية الدولية بضرورة الشروع بهذه الإصلاحات لإعطاء إشارات مشجعة على تقديم المساعدات.
وينفي المصدرالوزاري ما يقال عن وجود فيتو سعودي على تولي الرئيس سعد الحريري رئاسة أي حكومة، لكن الموقف السعودي نابع عن حرص المملكة على عدم التورط مجدداً بتسوية سياسية غير واضحة في هذه المرحلة، وهذا الموقف بالمطلق ليس ضد الرئيس الحريري كما يظن البعض أو يحاول اشاعته، وعندما ترى السعودية ان الظروف ملائمة لعودة الرئيس الحريري إلى السراي لن تتوانى في دعمه وتقديم يد المساعدة إليه.
ويلفت المصدر النظر إلى ان دخول العامل الفرنسي على خط المعالجات لا يعني بكل الأحوال بأن الأمور وضعت على سكة الحلول، وأن الرئيس ماكرون المطلع عن كثب على ما يجري في الداخل اللبناني وعلى مستوى الخارج تجاه لبنان قد منح القوى السياسية مهلة زمنية حددها بثلاثة أشهر للولوج في عملية الإصلاح، وهو لن يتوانى في حال لم يلمس أي تغييرات المشاركة مع دول اخرى في فرض عقوبات على بعض السياسيين وحجب المساعدات المالية عن لبنان، وبذلك يكون لبنان قد انزلق إلى الانهيار بشكل كامل.