اشار الشيخ أحمد قبلان الى انه "رغم أن لبنان شهد أزمات خطيرة وفتن مدمّرة ما دفعه لتكوين مواثيق واتفاقيات دستورية شفهية ومكتوبة، إلا أن هذا البلد بقي محكوماً بالطائفية والأحقاد والانقسامات التي مزّقت شعبه، وتكاد تدمّر هذا الكيان وتحوّله مرة أخرى إلى خطوط تماس، وإلى مشاريع فدراليات. ما يعني أن فكرة قيام وطن بالمعنى الحقيقي لا تزال غامضة ومبهمة وخاضعة لأكثر من مزاجية واتجاه، مما يؤكّد أن لبنان الذي تأسّس طائفياً وتابعاً منذ تركيبته لن تقوم قيامته، وسيبقى خاضعاً وضعيفاً أمام الإملاءات، وسط عالم فوضوي، القوي يأكل فيه الضعيف، فيما لبنان ضعيف بطائفيته واستبداد زعاماته وعائلاته الحاكمة التي ترتزق على الدعم الأجنبي لتكريس وجودها في بلد ينزف فقراً وجوعاً وتمييزاً واحتكاراً للأسواق والموارد والمقدرات، فضلاً عن احتكار السلطة الذي هو مصدر كل فساد وكل استبداد وكل ظلم وكل فتنة وكل انقسام بين اللبنانيين، هذا النظام قلنا عنه إنه نظام لا يصلح لوطن ومواطنة، فهذا نظام طبقة سياسية هي على استعداد لتدمير البلد مقابل بقائها في السلطة".
ولفت قبلان خلال رسالة الجمعة لهذا الأسبوع مباشرة عبر أثير الإذاعة اللبنانية، الى انه "من هنا جاءت مطالبتنا بدولة مدنية، دولة مواطنة على مستوى الوظيفة وقانون الانتخاب خارج القيد الطائفي ومجلس النواب والحكومة وموقع الرئاسات، لأننا نريد لشعب هذا البلد أن يؤمن بحقيقة أننا جميعاً خلق الله ورعيته، والأرض أرضه، والناس ناسه، والدولة دولته، كمواطن لا طائفي؛ فكلنا لآدم وآدم من تراب؛ وفي موضوع السلطة والدولة ومشاريع حكم الناس والمواطنة، لا فضل لأسود على أبيض، ولا لمسيحي على مسلم أو العكس، إلا بمقدار برّه وخيره وإنصافه وإحسانه وعدله، على اعتبار أن السلطة للناس، وفي خدمة الناس، خارج كل المعايير الدينية والحسابات الطائفية، وهذا ما نقصده بالدولة المدنية، وهذا لا يعني أبداً مصادرة الطوائف وانتمائها الخاص، فلكل دينه وطائفته وما يؤمن به، فيما الدولة للجميع، على قاعدة دولة مواطن لا دولة طوائف، مع التأكيد على كرامة الطوائف ودينها، وهو أمر محفوظ لها، ويرجع إليها بكل خصوصياتها وأحوالها الشخصية، لأنها خصوصيات لا يجوز التنكّر لها. أما ما يتعلق بالبلد وشعبه وناسه فهذه قضايا عامة، يعني قضايا بلد وناس، ويجب أن يحكم بدولة مدنية، دولة مواطنة، لها دستورها ونظامها وقوانينها التي تسمح بقيام سلطة تشريعية خارج القيد الطائفي، وسلطة تنفيذية لا طائفية، بما فيها الرئاسات الثلاث، لأن بلاء هذا البلد طائفيته لا طوائفه، وإنقاذه لن يمر بدولة الطوائف بل بدولة المواطنة، وهو ما حاول الرئيس الفرنسي التعبير عنه ولو بطريقة خجولة، بسبب مشكلة تأسيس لبنان التاريخية".
وذكّر سماحته "بأن لبنان منذ ولادته ارتبط بقصر الصنوبر كانتداب، ثم تنوّع بانتمائه وتبعيته، مرة مع حلف بغداد ومرة مع عبد الناصر، ومرة بالدبابات الإسرائيلية المدعومة أمريكياً، ثم بالتبعيات المختلفة على النفوذ الإقليمي والدولي، ولولا دماء المقاومين وانتصاراتهم كاد أن يرتبط بأبي بكر البغدادي، وأما اليوم فهو أكثر ارتباطاً بالأمريكي الذي يريد تحويل الشرق الأوسط إلى مستوطنات صهيونية. من هنا قلنا بأن لبنان يجب أن يكون مستقلاً، وغير تابع إلا لما فيه ضمان قوته وأمنه واستقراره ومصلحة شعبه، وهذا لا يحققه الحياد مع العدو الصهيوني، ولا الحياد بالمطلق في منطقة مشتعلة، ألسنتها تطال لبنان في صميم وجوده. في حين أن هناك من يتحدث عن السلاح، متجاهلاً أن بعض هذا السلاح شريف، وهو الذي استعاد لبنان وحرّره ويحميه ويمنع ذئاب المنطقة والعالم عنه، وهو ذاته الذي منع أبا بكر البغدادي من تشكيل سلطة هذا البلد، كما فعلت الدبابات الإسرائيلية من قبل، والتي لم تخرج إلا بهذا السلاح الذي حرر واستعاد استقلال لبنان وحمى وحدته".
وأكّد المفتي قبلان "أننا مع كل علاقة إقليمية أو دولية تصب في صالح لبنان، سواء كانت مع الرئيس الفرنسي أو الصيني أو العراقي أو الإيراني الذي ساهم بأضخم الإمكانيات لتحرير لبنان من الإسرائيلي وهزيمة داعش الأمريكية، ولم يحوّل دعمه ابتزازاً للبنان، أو انتقاصاً من استقلاله وسيادته. نحن مع ماكرون إذا عزز استقلال لبنان، وساهم بانتزاع أنياب الفساد من هذه السلطة، كذلك نحن مع أي دعم إقليمي أو دولي لصالح لبنان ووحدته، وبناء دولته ومؤسساته وإعادة إعماره، بعيداً عن أي ابتزاز سياسي يدخلنا في الألاعيب الدولية والإقليمية، وبخاصة تلك المرتبطة بالعدو الصهيوني، نحن مع أي جهد يساعد اللبنانيين على تجاوز محنتهم، ويخرجهم من هذه الكارثة، ويؤسّس لقيام دولة المواطنة الضامنة لحقوق جميع اللبنانيين والمعادية للطائفية والطائفيين".
ورحّب سماحته بالاتفاق على تسمية الرئيس مصطفى أديب، سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يوفقه في مهامه بالتوفيق، داعياً إياه "للإسراع في تشكيل حكومة إنقاذ وطن يهوي نحو القعر، لا حكومة طوائف وحصص، حكومة مصالحة لا حكومة صراع، حكومة تلاقي مع العالم لا حكومة تبعيات، حكومة قرارات مصيرية، حكومة محاسبة وتفتيش، حكومة استرجاع ودائع الناس، حكومة سيطرة على الأسواق وكسر الاحتكار والوكالات الحصرية، حكومة الإنقاذ الاجتماعي، حكومة تحكم التجار، حكومة حقوق وعدالة اجتماعية، حكومة شعب لا حكومة حمايات سياسية وخطوط حمر، حكومة استرداد المال العام والأملاك العامة، حكومة قضاء مستقل ونزيه، وأمن مستقل ونزيه، حكومة صناعة وزراعة وإنتاج ويد عاملة وسلعة وطنية وكهرباء ومياه، حكومة قوية بشعبها، بالمدرسة بالجامعة، حكومة فوق دولة المصارف، حكومة فوق الإملاءات الخارجية، حكومة انحياز وطني لا حكومة حياد انهزامي، حكومة مصالح وطن ومواطن، لا حكومة طوائفية وزبائنية. لأن ما نحن فيه وفي مئوية لبنان الطائفي هو نتاج سرطان الحصص الطائفية المقيتة. نعم، لحكومة كفوءة ونظيفة وتعمل من أجل لبنان ومنحازة فقط للبنان".