أجمع الأمناء العامّون لفصائل العمل الوطني الفلسطيني على أهمية تحصين البيت الداخلي الفلسطيني، بإنهاء الانقسام، كركيزة أساسية لمُواجهة التحديات الخطيرة المُحدقة بالقضية، والتي تستهدف تصفية المشروع الوطني الفلسطيني.
انطلاقاً من إدراك الأمناء العامّين لدقّة المرحلة، والمخاطر التي تستهدف القضية الفلسطينية بهدف إنهائها، كانت دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى عقد هذا الاجتماع على مُستوى المسؤولين المركزيين لـ14
فصيلاً من أمناء عامّين أو مَنْ يُمثلهم، للمرّة الأولى منذ شباط/فبراير 2013، وبحضور أعضاء اللجنة التنفيذية لـ"مُنظّمة التحرير الفلسطينية" واللجنة المركزية لحركة "فتح" وقيادات فلسطينية.
وإنْ حالت ظروف الاحتلال وإجراءات فيروس "كورونا" دون تمكّن عدد من القيادات الفلسطينية لحضور الاجتماع في مقر الرئاسة في رام الله في الضفة الغربية، فقد التقوا في "قاعة الرئيس الشهيد ياسر عرفات" في سفارة دولة فلسطين في بيروت، عبر تقنية الاتصال عن بُعد "الفيديو كونفرنس"، بحضور السفير أشرف دبور.
كلمات المُتحدّثين أجمعت على كلمة الرئيس "أبو مازن"، التي اعتُمِدَتْ في البيان الختامي لمُقرّرات الاجتماع، مُؤكدةً على تشكيل لجان بمهل زمنية، على أنْ يتم عقد اجتماع للمجلس المركزي الفلسطيني، وكذلك للأمناء العامّين لاتخاذ قرارات للتنفيذ.
وقد تركت مُقرّرات الاجتماع ارتياحاً لدى الأمناء العامّين والمُشاركين، لأنّها حاكت الهموم، ورسمت "خارطة طريق" ترتكز على الوحدة الداخلية كعنصر قوّة، انطلاقاً من أنّ الفلسطيني هو مَنْ يصنع المُعادلات، ووضع برنامج سياسي يجعل الاحتلال أكثر كلفة، ويوجّه رسالة إلى العالم، وفي مقدّمه الولايات المُتحدة الأميركية بأنّ الفلسطيني هو مَنْ يتّخذ قراره، ولا تفويض لأي كان للتحدّث أو التوقيع باسمه، وأنّ الموقف
الفلسطيني مُوحّد داخل الأراضي الفلسطينية المُحتلة منذ العام 1948، والقدس والضفة الغربية وقطاع غزّة وفي أماكن انتشار الشتات الفلسطيني، باعتماد المُقاومة الشعبية بأشكالها كافة، وفق إمكانيات كل منطقة، ما يؤدي إلى إعطاء صلابة، تُساعد في إفشال مُحاولات الإلتفاف على مُبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية.
فقد أكد الأمناء العامّون في البيان الصادر عنهم، الذي تلاه أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" اللواء جبريل الرجوب على أنّ "شعبنا بمكوّناته كافّة، وفي مُقدّمتها القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس، يرفض بشكل مُطلق جميع المشاريع الهادفة إلى تصفية قضيتنا الوطنية، وتجاوز حقوقنا المشروعة، كما يرفض أي مساسٍ بالقدس ومُقدّساتها المسيحية والإسلامية".
وشدّد البيان على أنّ "شعبنا وقيادته يُدينون كل مظاهر التطبيع مع الاحتلال، ويعتبرون ذلك طعنةً في ظهر الشعب الفلسطيني والأُمّتين العربية والإسلامية، وأنّ القيادة الفلسطينية تدعو شعوبنا وأحرار العالم للتصدّي بكل ما أوتوا من قوّة لهذه المُخطّطات".
جاء في البيان الختامي:
"في هذه اللحظات المصيرية من تاريخ شعبنا، والتي تتعرّض فيها قضيتكم المركزية لمخاطر التآمر والتصفية ومُحاولات اختزالها في حلول معيشية، وتجريدنا من حقنا في تقرير مصيرنا، وإقامة دولتنا المُستقلة كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، والقدس المُحتلّة عاصمتها، كما نصّت عليه وثيقة الوفاق الوطني، وحل قضية اللاجئين وحقّهم في العودة إلى ديارهم، الذين هُجّروا منها على أساس القرار 194، تأتي المُؤامرات والمُخطّطات التي تقوم بها حكومة الاحتلال والإدارة الأميركية الحالية، من خلال صفقة القرن ومُخطّطات الضم، وتمرير التطبيع الذي رفضه شعبنا بأكمله، وآخرها الاتفاق الثلاثي الأميركي - الإماراتي - الإسرائيلي.
وفي هذا الاجتماع التاريخي المُنعقد، ينطلق الفعل الفلسطيني على قلب رجلٍ واحد تحت مظلة "مُنظّمة التحرير الفلسطينية"، المُمثّل الشرعي والوحيد لشعبنا، بمُبادرة شجاعة ومسؤولية وطنية عالية من الأخ الرئيس "أبو مازن"، رئيس دولة فلسطين، ورئيس اللجنة التنفيذية لمُنظّمة التحرير الفلسطينية، والأمناء العامّين للفصائل، للشروع في جهدٍ وطني مبارك يستجيب للرغبة الوطنية الصادقة، وينسجم مع أهدافنا ومبادئنا
ومُنطلقاتنا التي تحتّم علينا الترجمة الحقيقية لإنهاء الانقسام، وإنجاز المُصالحة، وتجسيد الشراكة الوطنية الفلسطينية.
إنّ الشعب الفلسطيني بمُكوّناته كافة، وفي مُقدّمتها القيادة الفلسطينية المُجتمعة برئاسة الأخ الرئيس "أبو مازن"، تُؤكد رفضها المُطلق لجميع المشاريع الهادفة إلى تصفية قضيتنا الوطنية، وتجاوز حقوقنا المشروعة، كما تُؤكد رفضها لأي مساسٍ بالقدس ومُقدّساتها المسيحية والإسلامية. وتُدين كل مظاهر التطبيع مع الاحتلال، وتعتبر ذلك طعنةً في ظهر الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية، وتدعو القيادة الفلسطينية شعوبنا وأحرار العالم للتصدّي بكل ما أوتوا من قوّة لهذه المُخطّطات.
كما ناقش اجتماع الأمناء العامّين قواعد الاشتباك مع الاحتلال، بما في ذلك تفعيل العاملين الإقليمي والدولي لمُواجهة تلك المُخطّطات، وتوافق المُجتمعون على وسائل وآليات النضال لمُواجهة الاحتلال على أرضنا المُحتلة، بما في ذلك ما كفلته المواثيق الدولية من حق الشعوب في مُقاومة الاحتلال.
ونحن كفلسطينيين نرى أنّ من حقّنا ممارسة الأساليب النضالية المشروعة كافة، وفي هذه المرحلة نتوافق على تطوير وتفعيل المُقاومة الشعبية كخيار أنسب للمرحلة، دفاعاً عن حقوقنا المشروعة لمواجهة الاحتلال.
ومن أجل تحقيق أهدافنا الاستراتيجية لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المُستقلّة، يتوجّب علينا الإسراع في إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة والشراكة الوطنية.
وفي هذا السياق، وكشعب واحد ومُوحّد، نعيش في وطنٍ حرٍّ واحد، توافقنا على ضرورة أنْ نعيش في ظل نظام سياسي ديمقراطي واحد، وسلطة واحدة، وقانون واحد، في إطار من التعدّدية السياسية والفكرية، وترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة من خلال الانتخابات الحرّة والنزيهة، وفق التمثيل النسبي الكامل في دولةٍ وفق المعايير الدولية.
كما نُؤكد على إقامة الدولة الفلسطينية على كامل الأرض الفلسطينية المُحتلة وعاصمتها القدس، ونُؤكد هنا بأنّه لا دولة في غزّة، ولا دولة من دون غزّة.
ولإدراكنا بوجوب توحيد الموقف، على الرغم من وجود التباينات في الرأي حول بعض القضايا، فقد قرّرنا تشكيل لجنة من شخصيات وطنية وازنة، تحظى بثقتنا جميعاً، تُقدّم رؤية استراتيجية لتحقيق إنهاء الانقسام والمُصالحة والشراكة في إطار "مُنظّمة التحرير الفلسطينية" المُمثّل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني، خلال
مُدّة لا تتجاوز خمسة أسابيع، لتقديم توصياتها للجلسة المُرتقبة للمجلس المركزي الفلسطيني وبمُشاركة الأمناء العامُين فيها كي نضمن مُشاركة الجميع تحت مظلة الوحدة الوطنية الفلسطينية.
كما توافقنا على تشكيل لجنة وطنية مُوحّدة لقيادة المُقاومة الشعبية الشاملة، على أنْ تُوفّر اللجنة التنفيذية لها جميع الاحتياجات اللازمة لاستمرارها.
تحيّة إكبار وإجلال لأهلنا الصامدين الصابرين في القدس المُحتلة، وفي مُخيّمات اللجوء في كل مكان، ونحيي بكل التقدير والاحترام عائلات الشهداء والأسرى والجرحى، ونقول لهم إنّ الفجر قريب.
وفي الختام، نُعبّر عن تضامننا العميق مع الشعب اللبناني الشقيق في محنته الحالية، ونعرب عن شكرنا وتقديرنا لاستضافة لبنان لهذا الاجتماع التاريخي الوطني الوحدوي الفلسطيني والهام لشعبنا الفلسطيني".