تنظر بعض القوى الاساسية في ٨ اذار بريبة الى الاهتمام الفرنسي المستجد بالوضع اللبناني... صحيح انها ايدت مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ولكنها وضعت كل الحركة الفرنسية تحت المجهر... قيادي بارز في الثنائي الشيعي جزم بان هذه القوى تتعاطى بحذر مع المبادرة الفرنسية وتدرس بدقة خلفياتها.
وبصريح العبارة، تقول هذه القوى ان المبادرة الفرنسية قد تسقط في اية لحظة اذ لا اسس دولية متينة تحميها، وما يحصل الان هو توافق «دولي - اقليمي» برعاية فرنسية لمنع الانهيار اللبناني بشكل كامل، ولكن في المقابل هناك اجندة مطلوب من لبنان وحكومة الرئيس المكلف مصطفى اديب تنفيذها، والجانب الفرنسي جزم خلال المحادثات المباشرة وعبر الوسطاء انه لا بنود مخفية في المبادرة والمطلوب من لبنان تطبيق الاصلاحات فقط، في حين ان اية معالجة للملفات السياسية سوف تاتي في مرحلة لاحقة وتحديدا في مرحلة التحضير الرسمي والجدي للعقد السياسي الجديد في لبنان.
طبعا، من السذاجة فصل الحركة الفرنسية عن مجمل تسوية التهدئة في المنطقة لا سيما المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وايران والتي تؤكد معلومات دبلوماسية انها «ايجابية»، ولذلك وجدنا «قبة باط» اميركية وايرانية في الملف اللبناني، ولكن الاهم بحسب المصادر ذاتها ان الفرنسيين استلموا رسميا الملف اللبناني، ومن المنتظر ان يتمدد مستقبلا الدور الفرنسي في المنطقة كبديل عن الدور الاميركي ولاضعاف الدور الروسي والتركي وتحجيم الدور الايراني.
وفقا للمصادر الدبلوماسية ذاتها، فان مصلحة الفرنسيين تقتضي مهادنة حزب الله وايران والاقرار بدورهم الاستراتيجي في اية تسوية جديدة في المنطقة، وهنا يمكن الجزم بان العقد السياسي الجديد الذي طرحه الرئيس الفرنسي هو اقرار رسمي بتغييب الدور السعودي او بالاحرى بتعويم الدور الشيعي على حساب عدم السماح للسنة بالاستمرار بالامساك بالملف اللبناني بعدما اثبتت التجربة ان اتفاق الطائف غير قابل للتطبيق وسمح بوجود ثغرات امنية وسياسية واقتصادية ادت الى تدهور الوضع في لبنان والى تغييب الدور المسيحي بشكل شبه كامل.
وعليه، لا يبدو ان التهدئة الفرنسية في لبنان ستدخل حيز التنفيذ قبل تحقيق التسوية الشاملة في المنطقة، وهذا يعني ان حكومة المرحلة الانتقالية التي اوكل الى الرئيس المكلف مصطفى اديب تشكيلها تشبه في جزء منها التسوية التي جاءت بالكاظمي الى رئاسة الحكومة في العراق.
وهذا يعني وفقا لمصادر سياسية معنية بتنفيذ الجزء اللبناني المتعلق بالتسوية ان «لبنان امام مرحلة انتقالية»، وهذه المرحلة سوف تلحظ ابرام اتفاقية ترسيم الحدود البرية والبحرية مع فلسطين المحتلة، وسوف تؤدي الى وضع الاطر الاولية لترسيم الحدود البرية مع سوريا وخطة عودة النازحين السوريين في حين ان وضع الفلسطينيين في لبنان سوف يبقى معلقا.
جانب اخر من التسوية الانتقالية يشمل وضع برنامج تغيير للنظام الاقتصادي الموجود حاليا بشكل جذري، والاهم في هذا الجانب هو اعادة هيكلة الطبقة السياسية في لبنان وتطبيق الطائف في شقه المتعلق بالتحضير لانشاء مجلس شيوخ والدخول الى الدولة المدنية عبر الغاء الطائفية السياسية قبل استبداله نهائيا بعقد سياسي جديد.
ولعل ابلغ توصيف لهذا العقد، قاله احد القياديين البارزين في ٨ آذار في تصريح خاص باللواء: «قبل الطائف كان الحكم للمسيحيين وبعد الطائف تم تعويم الدور السني على حساب الدور المسيحي، والان جاء دور الشيعة، ولكن الفارق هنا ان هذا الدور سوف يترافق مع تحويل لبنان الى دولة شبه مدنية.
واضاف القيادي، انه انطلاقا مما تقدم فان تسهيل امر حكومة اديب يدخل في اطار وضع الاسس التمهيدية لمرحلة تغيير الحكم والنظام في لبنان والتي ستبدا عمليا بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون وولاية المجلس النيابي الحالي.
في حين ان الترجمة العملية لهذا الكلام هي في تشكيل الحكومة خلال ايام قليلة قد تمتد الى نهاية الاسبوع الحالي على ابعد تقدير، وسوف تكون حكومة اختصاصيين مصغرة بمهام محددة دون تمثيل اية جهة سياسية بشكل مباشر.
واكد القيادي بان ٨ اذار سوف تترك لحكومة اديب هامشا واسعا للتحرك واتخاذ القرارات التي تجدها مناسبة لاعادة تصحيح الوضع الاقتصادي وترتيب علاقات لبنان العربية بدءا من سوريا وصولا الى الخليج العربي، ولكن يجب اعادة التاكيد بان هذه الحكومة لا علاقة مباشرة لها باتخاذ القرارات السياسية المهمة التي تتعلق تحديدا بالسياسة اللبنانية الخارجية ومسالة ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة.