إلى جانب "القياديّين" في الحراك الشّعبيّ في لبنان، وبالتّالي بروز الأسماء اللامعة، وليدة الشّارع المسمّى "نضاليًّا"، يبدو أنّ المشهديّة تنسحب أيضًا على بعض "المحترمين" من رجال الدّين، فيُجيّشون الشبّان للنّزول إلى الشّارع، في مناسبة وفي غير مُناسبة، وآخر الفصول في هذا المجال ما تناقله بعض وسائل الإعلام عن صورةٍ عائدةٍ إِلى الكاهن الّذي طلب إِلى الشبّان، التّوجُّه إِلى حريصا خلال القدّاس الّذي أُقيم ليل الخميس الماضي، على نيّة شهداء انفجار مرفأ بيروت، لشتم رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، على مرأى أمين سرّ قداسة البابا فرنسيس الكاردينال بيترو بارولين ومسمعه... وقد عُلّق على الصّورة بالسُّؤال: ما موقف الكنيسة من الكاهن المُحرّض؟. ولاحقًا عُلم أَنّ الصّورة تعود إِلى كاهن رعيّة كنيسة النّبي إيليّا في ساحة النّجمة أَغابيوس كفوري، ولا تعليق كنسيًّا حتّى الآن!.
وقبل ذلك نقلت محطّةٌ تلفزيونيّةٌ دينيّةٌ -وعلى غفلةٍ من مؤسّسها- وقائع "الحراك الشّعبيّ"، في وسط بيروت، في مخالفةٍ واضحةٍ لقانون الإِعلام الّذي فصَلَ خلال توزيع المحطّات المتلفزة على الطّوائف -بين الوسائل الإعلاميّة السّياسيّة الّتي يُسمح لها ببثّ الأخبار السّياسيّة وغير السّياسيّة المُتاح لها ذلك... إضافةً إِلى أَنّ مراسلة تلك المحطّة الدّينيّة قد اصطحبت معها كهنةً حزبيّين، للتهجّم على الرّئاسة الأولى!.
حيادٌ إِيجابيٌّ؟
لقد تنامى "الحراك الكنسيّ"، بعد إِعلان البطريرك المارونيّ بشارة الرّاعي "الحياد الإِيجابيّ"، مع ما رافق ذلك من إِشكاليّةٍ واستنسابيّةٍ في مفهوم هذا الطّرح، إِذ فهمه كلّ فريقٍ سياسيٍّ بوحيٍ من مفاهيمه الخاصّة... وأَمّا الكهنة المُسيّسون فقد اعتقدوا أَنّ الوقت حان "للجهاد الحزبيّ".
غير أَنّ السُّؤال المطروح: أَلا ينسحب الحياد الإيجابيّ على السّاحة الدّاخليّة المسيحيّة؟.
توضيحٌ إِيجابيٌّ
البطريرك الرّاعي كان أوضح بعد لقائه رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، في 15 تمّوز الماضي، "أَلاّ يجب اعتبار الحياد مُوجّهًا ضدّ أَحدٍ على الإِطلاق... بل هو لصالح جميع اللبنانيّين ويجلب الاستقرار للبنان"!. كما وأَوضح البطريرك أَنّ "بكركي لا تسير لا مع معارضة، ولا مع موالاة"...
لا بل إِنّ الرّاعي ذكّر في ذلك اليوم، بمشروع الرّئيس عون المُصوَّت عليه في "الجمعيّة العامّة للأُمم المُتّحدة" لجعل لبنان مركزًا لـ"أَكاديميّة الإِنسان للتّلاقي والحوار"، غامزًا من قناة التّلاقي مع الرّئيس في هذا الشّأن!، ومُؤكّدًا أنّ "هذا الأَمر لا خلاف عليه مع الرّئيس إِطلاقًا"...
وبعدما سأل الرّاعي: "ما معنى الحياد؟"، أَوضح: "هو لا يعني أَن أَتنحّى جانبًا، ولا أَتعاطى بأَيّ أَمرٍ، بل المقصود الحياد الإِيجابيّ المُفيد والنّاشط"...
صحيحٌ أَنّ "الباب بات مُشرّعًا للجميع، لكي يتدخّلوا عندنا"، غير أَنّ ذلك لا يُواجه على النّحو الّذي تسير به الأُمور اليوم... ومِن ثمّ فالمعلوم أَلاّ حزب في لُبنان، إِلاّ ولديه ارتباطٌ في الخارج، ووحدها رئاسة الجمهوريّة في منأى عن هذه التّجاذبات... وفعلاً –كما يقول البطريرك – "ثمّة تدخُّلاتٌ خارجيّةٌ من هنا وهناك، وهي تقوم بدفع الأَموال لجماعاتٍ، وتُنشئ جمعيّاتٍ لها، وكأنّ البلد أَصبح سائبًا"...
ومع أَنّ البطريرك أَوضح أَنّ "التّفاهم كليّ بيننا (أَي مع الرّئيس عون)، غير ما يتكلّم عنه الإِعلام من خلافٍ"، إِلاّ أَنّ بعض "الإِكليروس المُسيّسين"، يؤثرون التّفرقة على لمّ الشّمل بين رأس الدّولة ورأس الكنيسة، وبعض الإِعلام الكنسيّ يسير في هذا الاتّجاه!.