أول من أمس، تحول خلاف فردي بين أفراد من عائلتين في منطقة طريق الجديدة إلى إشتباك مسلح أدّى إلى سقوط قتيل وعدد من الجرحى. هذا الأمر في لبنان قد يكون عادياً نظراً إلى أن تطور الإشكالات الفرديّة إلى إشتباكات مسلّحة ليس بالحدث البارز في البلاد، فهو مشهد يتكرّر بشكل شبه يومي.
إلا أن اللافت فيما حصل هو في الخلفيّة السياسية لهذا الحدث، حيث تُحسب العائلة الأولى على رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، بينما تحسب العائلة الثانية على شقيقه رجل الأعمال بهاء الدين الحريري، الطامح إلى دخول الحياة السياسية اللبنانية بأيّ ثمن، من بوابة الصراع مع شقيقه، على قاعدة أنّ الأخير هو جزء من المنظومة الفاسدة في البلاد، بالإضافة إلى تخاذله في المواجهة مع "حزب الله".
وفي حين سارع بهاء الدين الحريري إلى إدانة ما حصل واضعاً إياه في إطار السلاح المتفلت في البلاد، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن تسجيل الإشتباك المسلح الأول بين الشقيقين هو منعطف خطير في الصراع السياسي القائم بينهما، بالرغم من سعي سعد الحريري إلى عدم الدخول في أيّ مواجهة مباشرة مع شقيقه الأكبر، الأمر الذي يتجلى في عدم ردّه على أي سؤال يتعلق به.
من وجهة نظر هذه المصادر، يتعمد رئيس الحكومة السابق في هذا الإطار سياسة إمتصاص الهجوم، نظراً إلى قناعته بأن تداعيات الدخول في أي صراع مباشر مع شقيقه ستكون سلبية عليهما، لا سيما إذا ما كانت على شكل حصول حوادث فردية أو إشتباكات مسلّحة في القرى والبلدات أو المدن التي يتواجد فيها أنصار للجانبين، نظراً إلى أن المواطنين سينفرون من هذا الأمر.
على الرغم من ذلك، تلفت المصادر نفسها إلى أن ما حصل في الطريق الجديدة كان متوقعاً من قبل العديد من الجهات المتابعة، نظراً إلى حالة الإحتقان القائمة في الشارع التي بقيت من دون أي معالجة، ولا تستغرب أن تتكرر الحادثة بين أنصار الشقيقين في أي وقت، سواء في المنطقة نفسها أو في مكان آخر، نظراً إلى أن الأمور وصلت إلى طريق اللاعودة بينهما.
في هذا السياق، تطرح الكثير من الأسئلة حول أسباب التوتّر الخاص في منطقة الطريق الجديدة، بالرغم من أن حركة بهاء الدين الحريري لا تنحصر في هذه المنطقة، حيث كان يعمل، طوال الفترة الماضية، على تعزيز حضوره في أكثر من مكان، لا سيما في الشمال عموماً وطرابلس خصوصاً.
بالنسبة إلى مصادر سياسية أخرى، هذه المنطقة تكتسب أهميّة خاصة بالنسبة إلى تيار "المستقبل"، كونها تمثّل معقله الأساسي في مدينة بيروت، التي هي نقطة الإنطلاق نحو باقي المناطق ذات الأغلبية السنّية، وبالتالي من ينجح بالفوز في الصراع فيها هو الذي يملك القدرة على فرض نفسه زعيماً على الساحة الطائفيّة.
وتشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أن الشقيق الأكبر لم ينجح في تحقيق أيّ إختراق جديد على المستوى السياسي أو الإجتماعي في هذه المنطقة، بينما كانت توجّه له أصابع الإتّهام بالإنفتاح على بعض المجموعات التي من الممكن أن تلعب دوراً على مستوى توتير الأجواء في الشارع، في الوقت الذي كان فيه "المستقبل" يعمل على إعادة لملمة أوضاعه التنظيميّة فيها.
في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أن المستفيد من هذا الصراع سيكون القوى والشخصيات المعارضة لـ"المستقبل"، سواء كانت من حلفائه أو خصومه، نظراً إلى أن نتيجته، في حال إرتفاع وتيرته في المرحلة المقبلة، ستكون إضعاف الشقيقين معاً، بالإضافة إلى نفور الحاضنة الشعبيّة منهما في ظلّ الإهتمامات الإقتصاديّة والإجتماعيّة التي تشغل جميع اللبنانيين.