أثارت زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" اسماعيل هنية الى لبنان ضجة سيبقى صداها يتردد الى حين، بعدما طرحت تساؤلات حول توقيتها وأسبابها، وما اذا كانت تحمل رسائل في ظل احتدام الصراع السياسي في المنطقة بين محور الممانعة الذي تقوده ايران، ومحور الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها، مع المضي قدما في تطبيق "صفقة القرن" باشكال مختلفة وآخرها التطبيع مع عدد من الدول العربية ومنها البحرين بعد الامارات العربية المتحدة بدعم من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
معارضو الزيارة، برروا رفضهم بتحويل لبنان الى منصّة لاطلاق المواقف السياسية ضد الدول العربية على خلفية التطبيع، او العسكرية بالتهديد باستخدام الصواريخ من لبنان، واستخدام ورقة المخيمات، بينما مؤيدوها استغربوا الضجة التي أثيرت حول مواقفه خاصة انه لم يأتِ على ذكر اطلاق صواريخ من لبنان"، معتبرين ان تحريفها اساءة مقصودة للنيل منها ومحاولة جديدة لزج العنصر الفلسطيني في أتون اللعبة اللبنانية الداخلية، وصولا الى تساؤلات: هل أُعطيت "كلمة سر" للبعض لشن هجوم عنيف عليها ومحاولة افراغها من مضمونها الذي حمل ثلاثة عناوين رئيسية ابرزها انهاء الانقسام وانجاز المصالحة الفلسطينية، تنسيق الموقف مع لبنان والتأكيد على ان المخيمات قلاع صمود ورفض التوطين او التهجير او الوطن البديل.
توضيح وتأكيد
هنية نفسه، اعاد توضيح مواقفه خلال لقاء اعلامي بانّه لم يقصد بتاتاً استخدام لبنان منصّة لمحاربة "اسرائيل" وإطلاق التهديدات منه ضدّها، مؤكدا انّ "قرارنا محسوم ونهائي، وهو ان نقاتل العدو في الارض الفلسطينية حصرا"، و"انّ الخطاب الذي استخدمه هنا هو نفسه الذي يعتمده في قطر او تركيا أو أي مكان يكون فيه، إذ نحن لا نتلون وفق الجغرافيا، بل لدينا خطاب ثابت"، جازما بأنّ زيارته تندرج فقط في إطار توحيد الصف الفلسطيني، وليست ردا تركيا على حضور الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى لبنان، ولا تتضمن رسائل الى هذا أو ذاك، فحركة "حماس" ليست في جيب احد وقرارها مستقل".
وما لم يقله هنية، أكد عليه مصدر مسؤول في "حماس" لـ"النشرة"، بان الرئيس محمود عباس "ابو مازن" هو الذي أختار التوقيت والمكان، ما يسقط اي خلفية او أبعاد سياسية من الحركة لهما، بعدما وجدت ان الوقت اصبح مناسبا للمصالحة بعيدا عن الشروط المتبادلة، فالخطر على القضية بات داهما الى حد غير مسبوق"، بينما أكد المسؤول الاعلامي لحركة "حماس" في لبنان وليد كيلاني لـ"النشرة"، ان الحركة لم تتبنَّ الخيار العسكري خارج فلسطين مطلقا، ولم تقم بأي عمل عسكري من اي ساحة خارجية، لانّ موقفها واضح بان ساحتها العسكرية داخل فلسطين"، معتبرا ان قيام البعض بتشويه مواقفه أمر مقصود وغير بريء، وهي محاولة لاستدراج الفلسطيني الى قلب المعادلة الداخلية اللبنانية، وهو ما رفضه هنية وأكد عليه خلال لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين الرسميين الامنيين، بأننا لن نتدخل في الشؤون اللبنانية، ومخيماتنا ستكون عامل أمن واستقرار للبنان الشقيق.
نجاح وثغرات
في القراءة السياسية، فإن اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في سفارة دولة فلسطين في بيروت بالتزامن مع رام الله بالضفة الغربية عبر تقنية "فيديوكونفرنس" كان ناجحاً اولا: لانه جاء بإرادة فلسطينية دون "وساطة" او "رعاية" من أحد كما درجت العادة، ثانيا: لانه يأتي بعد سلسلة من التطورات السياسية البالغة الخطورة على القضية بدء من "صفقة القرن" الاميركية، مرورا بمحاولة تهويد القدس والقرار الاسرائيلي بضم اجزاء من الصفة والاغوار واطباق الحصار على غزة وصولا الى التطبيع العربي مع "اسرائيل" بالمجان، وثالثا: من حيث البيان المشترك، والاتفاق على تشكيل اللجان والجداول الزمنية التي وُضعت. فالطرفان الرئيسيان "فتح" و"حماس" ومعهما الفصائل الفلسطينية، على قناعة بان المواجهة يجب ان تقوم بداية على ترتيب البيت الفلسطيني وإنهاء الانقسام وبناء شبكة علاقات وتحالفات داعمة، دون الوقوف مع محور ضد آخر".
مقابل الايجابية، فإن اوساط فلسطينية ترى ان الطريق ليست سهلة، اذ ظهر ان ثمة اختلافات اولها: فيما يتعلق بماهية المقاومة، فحركة "فتح" تريدها شاملة سياسية وحقوقية وشعبية كخيار تكتيكي، بينما "حماس" تريدها شاملة يضاف اليها العسكرية كخيار استراتيجي لها، ثانيها ان اجتماع الامناء العامين الذي شارك فيه 14 فصيلا في استعادة لمشهد الحوار في القاهرة الذي جرى العام 2014، لم يشمل اربعة آخرين من التحالف، حاول هنية استرضاؤهم واستيعابهم، وعقد مع اثنين منهم اجتماعا هما حركة "فتح الانتفاضة" برئاسة أمين سرها أبو حازم الصغير، و"جبهة النضال الشعبي" برئاسة أمينها العام خالد عبد المجيد، (بقيت جبهة التحرير الفلسطينية برئاسة الامين العام ابو نضال الاشقر والحزب الشيوعي الفلسطيني-الثوري وأمينه العام الراحل عربي عواد)، وجرى التشديد على ضرورة تنسيق المواقف وتعزيز العمل المشترك، آملين أن يتم العمل بالاتفاق سريعاً، لأن التحديات كثيرة، وبالإمكان تجاوزها من خلال المسار الوحدوي الذي أقر.
زيارة مفوض الاونروا
وعلى وقع مغادرة هنية، يبدأ المفوض العام لوكالة "الاونروا" فيليب لازاريني زيارة هي الاولى له الى لبنان بعد تعيينه مفوضا عاما في آذار 2020، علما انه كان يتواجد في لبنان بصفته المنسق الخاص للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش منذ آب 2015.
وتكتسب زيارة لازاريني أهمية خاصة كونها تأتي في ظل ظروف صعبة تواجه أبناء المخيمات الفلسطينية لجهة انتشار "فيروس" كورونا في المخيمات والارتفاع المضطرد في اعداد المصابين وتسجيل حالات وفيات من جهة، والازمة الاقتصادية والمعيشية التي يعشها أبناؤها نتيجة الفقر المدقع والتي زادها تفاقما الانهيار الاقتصادي اللبناني وتردي الازمة المعيشية والغلاء وارتفاع الاسعار وازدياد نسبة البطالة، ما يضفي عليه تحديا جديدا امام مهمته الاولى، التي تتضمن جولة ميدانية في مخيم الرشيدية في صور، حيث سيتفقد ابناءه ظهر الاثنين ويطلع على احتياجاتهم ومشاكلهم في ظل وباء كورونا"، اضافة الى لقاء مع الفصائل الفلسطينية يوم الاربعاء وعدد من المسؤولين اللبنانيين من بينهم رئيسة لجنة التربية النيابيّة النائب بهية الحريري يوم الجمعة.