الثلاثاء 15 أيلول، سيشهد البيت الأبيض في واشنطن، إحتفالاً بإنجاز مُهمّ أنجزته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لجهة تحريك ملفّ التطبيع بين إسرائيل من جهة والدول العربيّة من جهة أخرى، بحُضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وكلّ من وليّ عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، ووزير الخارجيّة البحريني عبد اللطيف الزياني، ومسؤولين آخرين. فماذا يعني هذا التحوّل، وأين لبنان منه؟.
لا شكّ أنّ إدارة ترامب نجحت في غُضون شهر واحد، في إدخال دولتين عربيّتين جديدتين إلى محور التطبيع مع إسرائيل الذي يضمّ أصلاً كلاً من مصر والأردن، ولوّ من دون غطاء شعبي فيهما. ولا شكّ أيضًا أنّ منطقة الشرق الأوسط مُقبلة على تحوّل إستراتيجي كبير، في الصراع الإقليمي بين المحور الذي تقوده إيران، والمحور المُقابل الذي تُشكّل دول الخليج عصبه الأساسي. فدُخول كل من دولة الإمارات العربيّة والمُتحدة والبحرين مرحلة التطبيع مع إسرائيل، لن ينحصر بهما فحسب، بل هو يُشكّل نقطة تحوّل إستراتيجي تتمثّل في بدء خُروج أكثر من دولة عربيّة من محور "المُواجهة"–ولوّ عبر الدعم المَعنوي والإعلامي، إلى محور "التطبيع" تحت الطاولة في البداية، ثم بشكل علني في مرحلة لاحقة، واللائحة المُنتظرة تضمّ العديد من الدُول، منها على سبيل المثال لا الحصر، سلطنة عُمان والسُودان، إلخ. وكل ذلك يحصل في ظلّ وعود أميركيّة وغربيّة بالإستقرار والأمن والرخاء، إلخ. وبالحماية والدعم أيضًا بمواجهة التهديدات الإيرانيّة لهذه الدُول.
تذكير أنّه منذ قيام "الثورة الإسلاميّة" في إيران في العام 1979، تعاظمت المشاكل بين طهران والدول الخليجيّة التي تتهم هذه الأخيرة بإعتماد سياسة توسّعيّة في المنطقة، وبالعمل على تأليب بعض شُعوب المنطقة على قياداتها، وبإستغلال التباينات المذهبيّة لبثّ التفرقة والإنقسام(1). وفي العام 2016، قطعت المنامة علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، بعد إتهامها لها بدعم وبتمويل "الأعمال الإرهابيّة" التي وقعت في البحرين في تلك الفترة. أمّا أهمّ أسباب الخلاف بين دولة الإمارات وإيران فتعود إلى إتهام أبو ظبي لطهران بإحتلال ثلاث جُزر إماراتيّة، هي: طُنب الكبرى، وطُنب الصُغرى، وأبو موسى.
بالعودة إلى إتفاقات التطبيع التي ستُوقّع رسميًا الثلاثاء في واشنطن، فصحيح أنّها تتناول بُنودًا تشمل تطوير العلاقات السياسيّة والدبلوماسيّة والسياحيّة والإجتماعيّة والثقافيّة، إلخ. لكنّ العديد من المُحلّلين الغربيّين يعتبرون أنّ هذه الإتفاقات ستتطوّر مع الوقت إلى إتفاقات أمنيّة وعسكريّة. وبحسب هؤلاء، إنّ إيران تعتبر أنّ الموقع الجغرافي لدولة الإمارات العربيّة المُتحدة، يجعلها مُمسكة بأكثر من واجهة ساحليّة إستراتيجيّة(2)، وهم لا يستبعدون أن تستخدم أجهزة الإستخبارات الإسرائيليّة هذه المنطقة الحيويّة، لمُراقبة تحرّكات إيران البحريّة من البرّ والبحر بدقة أكبر، تُضاف إلى المُراقبة الجويّة عبر الأقمار الصناعيّة وغيرها.
والأخطر في عمليّة التطبيع القائمة بضغط وبتحفيز أميركي مُباشر، يتمثّل في التحوّل على مُستوى هويّة "العدوّ" في المنطقة، من إسرائيل إلى إيران، وهذا الأمر هو أكثر ما أثار حفيظة طهران التي ساهمت بتعميم هذا الجوّ بشكل غير مُباشر، من خلال تمويلها وتسليحها ودعمها للعديد من الجماعات في كل من العراق واليمن وسوريا ولبنان، ودُخول هذه الجماعات في قتال مُباشر مع دول الخليج في بعض الأماكن، وفي قتال غير مُباشر معها في بعض الأماكن الأخرى، إضافة إلى ضرب المصالح الخليجيّة السياسيّة والإقتصاديّة في أكثر من مكان في الشرق الأوسط. وليس بسرّ أنّ إسرائيل تعمل جاهدة لإستغلال هذا الأمر لصالحها، عبر شيطنة صُورة إيران عربيًا وعالميًا(3).
في المُقابل، تعمل إيران جاهدة على تدعيم حلفها المُقابل، والذي بلغ مرحلة مُتقدّمة من الناحية العسكريّة، لكن بالتزامن مع مُعاناة بالغة على الصُعد الإقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة. فإيران التي تُعاني من شبه عزلة سياسيّة دَوليّة، ومن عُقوبات إقتصاديّة قاسية، تواجه بصُعوبة بالغة إنهيار عملتها(4)، وهي تُواجه صُعوبة أكبر في دعم حلفائها في المنطقة، حيث أنّ الأوضاع الإقتصاديّة والحياتيّة في كل من العراق واليمن وسوريا ولبنان سيّئة جدًا، وتُهدّد بتآكل كل المكاسب الأمنيّة التي حقّقتها طهران فيها، عبر حلفائها.
وعلى وقع التحذيرات الإيرانيّة والإدانات الشديدة لكل من الإمارات والبحرين، قام "حزب الله" بالمثل(5)، وهو الذي يتعرّض لضُغوط كبيرة للخروج أمنيًا من سوريا، حيث تعمل كل من واشنطن وموسكو-خلف الكواليس، على إتفاق يقضي بخُروج الوحدات الإيرانية وتلك المَدعومة من قبلها من سوريا، في مُقابل بقاء نظام الرئيس السُوري بشّار الأسد. وليس بسرّ أنّ "الحزب" يتعرّض أيضًا لضُغوط لإخراجه من الحُكومة في لبنان، ولحملة تضييق سياسي–إقتصادي قاسية، في إطار المساعي الأميركيّة لشلّ قُدرة "محور المُواجهة" على إفشال خُطوات التطبيع. ووسط هذا الصراع الإقليمي–الدَولي الحاد، يُعاني لبنان من مرحلة هي الأصعب في تاريخه، حيث أنّ مُحاولات "الحزب" أخذه إلى محور المُواجهة بالقُوّة، تواجه بمحاولات حثيثة لإبقائه على الحياد، باعتبار أنّ دُخول لبنان في محور التطبيع مُستحيل حاليًا. وبالتالي، لم تعد السياسة الرمادية التي كانت مُطبّقة في لبنان تصلح للمرحلة الحاليّة، ولا سياسة الهُروب إلى الأمام، حيث أنّ ضغط المُجتمع الدَولي على لبنان كبير لتحديد موقفه: فإمّا الإستمرار رأس حربة في الصراع الحاد في المنطقة، وإمّا البقاء على الحياد، طالما أنّ تركيبة لبنان الديمغرافيّة والطائفيّة، وتوازناته السياسيّة والداخليّة، تحول كلّها دون أن يكون في محور التطبيع بطبيعة الحال.
في الختام، الأكيد أنّ المُستقبل القريب سيكون صعبًا على لبنان، والمسألة غير مُرتبطة بتشكيل حُكومة جديدة من عدمه، ولا بنتائج الإنتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، بل بالصراع الإستراتيجي الذي تشهده المنطقة، بين خيارين: إمّا الإستقرار والرخاء وعدم مُعارضة خُطة الإدارة الأميركيّة لتمرير "صفقة القرن" بكامل جوانبها، وإمّا دفع الثمن باهظًا لمحاولة مُقاومة هذا المشروع!.
ناجي س. البستاني
(1) جُذور الخلاف بين البحرين وإيران تعود إلى العام 1968، تاريخ إنسحاب بريطانيا من منطقة الخليج العربي، علمًا أنّ طهران دعمت الجماعات الشيعيّة في المَملكة المَذكورة في أكثر من محطة تاريخيّة، أبرزها في العام 1981، وخاصة خلال العقد الماضي.
(2) على كل من الخليج غرب مضيق هرمز، وعلى خليج عمان شرق مضيق هرمز، إضافة إلى واجهة ساحليّة على الساحل الغربي تمتدّ من أو تُطلّ على كلّ من بحر العرب وخليج عمان، إضافة إلى سواحل سلطة عمان وُصولاً حتى مداخل الخليج.
(3) وعد وزير الإستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين، بتعاون أمني مع الخليج بوجه ما أسماه "العدوّ المُشترك" وأطماعه.
(4) بلغت في الساعات الماضية قيمة كل دولار أميركي، 262 ألف ريال إيراني، بعد أن كان كل دولار يبلغ 32 ألف ريال عند توقيع "الإتفاق النووي" في العام 2015 مثلاً.
(5) رأى "حزب الله" في بيان أنّ الإتفاق يُشكّل"... خيانة عُظمى، وطعنة مؤلمة للشعب الفلسطيني ولقضايا الأمّة العادلة".