إِنزلق الإِعلام الدّينيّ في لبنان، في الآونة الأَخيرة، إِلى مخالفة نُصوص قوانين الإِعلام المرئيّ والمسموع، حينما اتُّخذ قرار النُّزول إِلى "شارع الثّورة"، "لنقل نبضه"... فأَضاع حينها الإِعلام الدّينيّ بوصلة فرادته، كإِعلامٍ يجمع ولا يُفرّق، ويكرز بالمحبّة لا بلغة السّباب والشّتائم...
كما وأَضاع أَيضًا بوصلة احترام القوانين الإعلاميّة المعمول بها، وبخاصّةٍ قانون العام 1994، لا بل، حاد الإِعلام الدّينيّ في ذلك عن رسالته السّمحاء، القائمة على المحبّة ولمّ الشّمل... ليس إِلاّ!. ومُجرّد قرار نقل الوقائع الّتي لها صلة بالسّياسة، والاستثمار السّياسيّ الرّخيص لوجع النّاس، والدُّخول طرفًا في السّجال السّياسيّ القائم...
كلُّها أُمورٌ تُشكّل مخالفاتٍ صريحةً وواضحةً ولا لبس فيها، لقانون الإعلام الّذي لم يسمح أَصلاً لغير الوسائل الإعلاميّة من الفئة الأولى، ببثّ الأخبار والمواقف السّياسيّة. وقد يصل الأَمر تلقائيًّا إِلى "تجييش الرّأي العام" تحت ذريعة "نبض شارعٍ"... لم يكن يومًا مُوحَّدًا، شُموليًّا، جامعًا عندنا، وإِنّما هو وليد واقعٍ تنافسيٍّ – حزبيٍّ... ركب موجة الحراك المطلبيّ لأَهدافٍ سياسيّةٍ، حتّى أَنّ بعض هذا "النّبض"، تحوم حوله علامات الاستفهام الكثيرة، لناحية الجهات الدّاعمة للحراك، أو الأجندات العامل هو على تحقيقها... مُتخفّيًا وراء المطالب المحقّة، لا بل المُقدّسة!.
ولا بُدّ مِن الإِشارة في هذا السّياق، إِلى أَنّ "المُحتوى الإِعلاميّ"، على صلةٍ ببعض أَحكام قانون العُقوبات اللُّبنانيّ، الخاصّة بالتّطرُّق إِلى "جرائم التّشهير، والقدح والذّمّ، وجرائم أُخرى تُرتكب من خلال وسائط النّشر... كما ويتضمّن قانون القضاء العسكريّ، رقم 24، الصّادر سنة 1968، بعض الأَحكام الّتي تُعاقب على الادّعاءات الكاذبة، والتّشهير في حقّ الجيش اللُّبنانيّ والجيوش الأَجنبيّة... فضلًا عن العَلَم ورؤساء الدُّول والوزراء اللُّبنانيين والأَجانب...". فإِذا كانت هذه المخالفات تُبثّ يوميًّا على شاشات التّلفزة المالكة رخصة الفئة الأُولى، وتمرّ مُرور الكرام من دون مُلاحقةٍ قانونيّةٍ، غير أَنّ هذا الواقع المرير والشّاذّ، ينبغي أَنْ يتحصّن منه الإِعلام الدّيني، فتُرفع عبره الصّلوات والابتهالات... كي يُنقذ اللّه لبنان من أَزمته المُزمنة والمُتفاقمة والمُستعصية.
وآخر المشاهد المُقزّزة في هذا الإِطار، صبغ الأَحمر الرّامز في العَلَم اللُّبنانيّ إِلى دم الشّهداء الأَبرار، باللّون "الدّاعشيّ" الأَسود، ما ينمُّ إِمّا عن جهل الجهات المُنظِّمة للحراك الشّعبيّ في بعبدا السّبت الماضي، لمعاني تحقير العَلَم... أَو أَنّهم –وهذا الأَرجح– يعلمون ذلك ويُضلّلون الشُّبّان عن سابق تصوّرٍ وتصميمٍ... فهل ينبغي على الإِعلام الدّينيّ أَن ينزلق إِلى كُلّ هذه المُخالفات... وبالمجّان، بحجّة نقل "نبض الشّارع"؟.
وأَمّا إِذا قرّر الإِعلام الدّينيّ، اعتماد الاستنسابيّة في نقل "نبض الشّارع"، فإِنّه إِذّاك ينغمس أَكثر في أَوحال التّحيُّز إِلى فريقٍ دون غيره، وهو قد دخل أَصلاً في هذا الأَتون، لمُجرّد قراره "نقل نبض الشّارع"، في حين دعت المادّة 7.3 مِن "قانون الإعلام المرئي والمسموع" وسائل الإِعلام، إِلى احترام "تنوُّع المُعتقدات والآراء".
لقد بقيت وسائل الإِعلام المرئيّ والمسموع الدّينيّة، خارج الإِطار التّنظيميّ العامّ" لقانون الإعلام المرئيّ والمسموع، رقم 382 لسنة 1994. ولم يتطرّق القانون المذكور إِلى قضيّة الإِعلام الدّينيّ... إِلى أَن صدر القرار الوزاريّ رقم 214 عن وزير الإِعلام آنذاك فريد مكاري، في 15 كانون الثّاني 1996، فمنح السُّلطات الرُّوحيّة الرّسميّة في لبنان، مثل "مجلس البطاركة والأَساقفة الكاثوليك في لبنان"، و"دار الفتوى السّنيّة"، و"المجلس الإِسلاميّ الشّيعيّ الأَعلى"، امتيازات بثّ البرامج الدّينيّة، "شرط أَن تبدأ الإِذاعات الدّينيّة برامجها اليوميّة وتختمها بالنّشيد الوطنيّ اللُّبنانيّ"، غير أَنّ ذلك لا يُخوّل هذه الوسائل الولوج إِلى السّياسة.
وكذلك، سمح القرار المذكور للسُّلطات الرُّوحيّة اللبنانيّة، بالانخراط في مجال البثّ التّلفزيونيّ، من خلال تخصيص قناةٍ خاصّة في "تلفزيون لبنان" للبرامج الدّينيّة، "على أَن تُقسّم بالتّساوي بين الطّوائف المسيحيّة والإِسلاميّة"، وعلى أن يخضع برنامج الدّيانة المسيحيّة في هذه المحطّة لمراقبة "مجلس البطاركة والأَساقفة الكاثوليك"، برئاسة البطريرك المارونيّ، فيما يخضع برنامج الدّيانة الإِسلاميّة لرقابة كُلٍّ من "دار الفتوى" و"المجلس الإِسلاميّ الشّيعيّ الأَعلى". وكان يُفترض أَن تحمل هذه المحطّة اسم "تلفزيون لبنان–البرنامج الدّينيّ"، إِلاّ أَنّ هذا القرار لم يُطبّق يومًا...
وتبقى المسؤوليّة مضاعفةً على الإِعلام الدّينيّ، لوجوب أَن يحتكم إِلى ما هو أَبعد من قانونٍ للإِعلام أَبقى وسائله الإِعلام الدّينيّ المرئيّة والمسموعة، خارج الإِطار التّنظيميّ العامّ، فعليها الاحتكام إلى المحبّة ولمّ الشّمل... مِن مُنطلق أَنّ أَهل الرّعيّة مُتساوون "كأَسنان المشط".