تشخصُ الأنظارُ إلى البيت الأبيض في واشنطن، حيث تُجرى اليوم (الثلاثاء) مراسيم توقيع اتفاقيتين، طرفاهما الكيان الإسرائيلي مع دولة الإمارات العربية المُتّحدة ومملكة البحرين، برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
لكن في الوقت ذاته، ترنو الأنظارُ إلى الجانب الفلسطيني، والخطوات التي ينوي القيام بها، في ضوء إدانته لخطوة التطبيع مع الاحتلال، ورفض "صفقة القرن".
وقد تجلّى الرد على ما يجري بتظهير صورة الموقف الفلسطيني المُوحّد بشكل لافت، وعلى أكثر من صعيد، انطلاقاً من:
- الإدراك الفلسطيني للتحوّلات في المنطقة والعالم.
- إنّ إدارة الرئيس ترامب بحاجة إلى تسجيل انتصارات لاستخدامها في السباق الرئاسي الانتخابي المُقبِل، خاصة أنّ الاتفاقات تتضمّن شكر الرئيس ترامب على دوره والتنويه بالصفقة التي أعلن عنها.
- إنّ رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو بحاجة إلى تسجيل اختراقات في مُحاولة للخروج من إخفاقاته في عدم السيطرة على حكومته "الهشّة"، وفشله بتنفيذ وعد ضم أراضٍ في الضفة الغربية وغور الأردن والبحر الميت والملفات الجنائية التي تُلاحقه بتهم الفساد.
- إنّه بدلاً من أنْ تكون "إسرائيل" هي المُهدِّدة الأولى للأمن القومي في المنطقة، جرى استبدالها بإيران، بتدخّلها في الخليج العربي، وإنّه يُهدّد أمن هذه الدول، علماً بأنّ الرئيس ترامب أعلن عن أنّه في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية المُقبِلة، سيقوم خلال شهر بعقد صفقة مع إيران.
هذا يُؤكّد أنّ هدف هذه الاتفاقات، هو تحقيق مكتسبات للرئيس ترامب، سياسية، مالية واقتصادية، وكذلك استثمارات في الكيان الإسرائيلي، الذي يُعاني ركوداً اقتصادياً، وأنْ يكون جزءاً من منظومة الدفاع في المنطقة.
في ظل هذه التطوّرات، قامت القيادة الفلسطينية بدراسة مُعمّقة، وبحث صيغ العمل ومراجعة جميع الخطوات لمُواجهة التطبيع مع الاحتلال، تشمل الداخل الفلسطيني وعربياً، إقليمياً ودولياً، ووضع "خارطة طريق" لاستراتيجية فلسطينية على صُعُدٍ عدّة:
* على الصعيد الفلسطيني:
نجح الجانب الفلسطيني سريعاً بعقد اجتماع الأمناء العامّين لفصائل العمل الوطني الفلسطيني، بدعوة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومُشاركة الأمناء العامّين أو مَنْ يُمثّلهم لـ14 فصيلاً، هو الأوّل على المُستوى المركزي منذ سنوات، وخرج بمُقرّرات تُؤكد هذا الإجماع، سريعاً جرى ترجمتها بشكل عملاني.
كانت بوادر ذلك، الإعلان عن تشكيل قيادة وطنية مُوحّدة لقيادة المُقاومة الشعبية، في صورة تُعيد إلى الأذهان ما كان يجري خلال الانتفاضتين الأولى والثانية في العامين 1987 و2000، واللتين كان من نتائجهما تحقيق الكثير من المُكتسبات لصالح القضية الفلسطينية، وهذا يعني العمل الشعبي المُقاوم، ومُمارسة شتّى أنواع المُقاومة التي كفلتها المواثيق والشرائع الدولية للشعوب المُحتلة أرضها.
كما ستكون هناك لجان أخرى بشأن ما يتعلّق بالمُصالحة وإنهاء الانقسام، وإعادة تفعيل وتطوير "مُنظمة التحرير الفلسطينية" وصولاً إلى اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
كل ذلك في إطار الشراكة الوطنية، بما يتعلّق بالنظام السياسي الفلسطيني، ويُشكّل تطابقاً أو تكاملاً، ما يعني أنّها خطوات استراتيجية.
- جعل الاحتلال مُكلّفاً، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وألا يبقى احتلاله للأرض ومُمارسة اعتداءاته، وتقوم السلطة فقط بإدارة شؤون السكان، دون أي دور سياسي.
- استنهاض اللاجئين الفلسطينيين في أماكن انتشارهم.
هذا فضلاً عن القيام بسلسلة من التحرّكات، تُستهل اليوم (الثلاثاء) بإعلانه "يوم غضب" في كافة أماكن التواجد الفلسطيني، تحت العلم الفلسطيني، وصولاً إلى إعلان يوم الجمعة المُقبل "يوم حداد" تُرفع فيه الإعلام السوداء.
* على الصعيد العربي:
- إحياء جبهة شعبية عربية مُساندة لمُواجهة التطبيع، وحماية الثورة الفلسطينية.
- إعادة تقييم العلاقات في إطار جامعة الدول العربية، التي أُُنشئت من أجل فلسطين، لكن لم تنصفها في اجتماعها الأخير على مُستوى وزراء الخارجية العرب الـ154، الذي ترأسته فلسطين، بعدم إدانة التطبيع، الذي شكّل خروجاً عن قرارات الجامعة، بل مُحاولة إعطاء شرعية لخطوات التطبيع من خلال عدم إدانتها.
* على الصعيدين الإقليمي والدولي:
- إعادة ترتيب الأوراق الإقليمية والدولية بما يدعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بإقامة دولته المُستقلة وعاصمتها القدس.
هذا في وقت ارتفعت فيه وتيرة الضغوطات على الرئيس الفلسطيني، بعد رفضه "صفقة القرن" ومُندرجاتها، وهي ليست المرّة الأولى التي تُمارس فيها مثل هذه الضغوطات على القيادة الفلسطينية.
لكن كل ذلك، لن يُؤثّر على الرئيس "أبو مازن" من التمسّك بالثوابت الوطنية، التي تُعبّر عن إرادة الشعب الفلسطيني، الذي وجّهت قواه رسالة إلى العالم بأسره، بأنّ الشعب الفلسطيني مُوحّد، وقراره بإرادة وجهد فلسطيني خالص، التصدّي لمُحاولات السيطرة على القرار الوطني الفلسطيني المُستقل، أو توظيفه في محاور!