منذ آب الماضي دخلت البلاد مرحلة جديّة غيّرت الكثير... السياسيون وحتى الامس القريب كانوا يتعاطون مع قضية التهديدات الخارجيّة بالعقوبات على قاعدة أنها "مزحة" أو "خبريّة وبتمرق"، الى حين جاءت العقوبات الاميركية على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فينانوس.
هذه المسألة تفتح الباب واسعاً على المبادرة الفرنسيّة والكلام الذي أطلقه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي لوّح بالعقاب أو العقوبات في حال فشلت مبادرته ولم تطبّق الاصلاحات... كثيرون يسألون: ماذا يعني ذلك؟ وكيف يمكن للفرنسيين ترجمة تهديداتهم وتطبيق العقوبات؟.
نائب رئيس غينيا نموذجا
لمن لا يعرف يجب عليه أن يعود بالتاريخ الى العام 2008 حين قررت Sherpaوهي جميعة فرنسيّة تعمل في محاربة التدفقات الماليّة غير المشروعة، ومعالجة قضايا مثل الفساد وغسيل الأموال والتهرب الضريبي، اعتماد قانون من أين لك هذا مع نائب رئيس غينيا الاستوائية تيودورين أوبيانغ(1) الذي أدين بالفساد. ويشير المحامي الاختصاصي في العقوبات الدولية ومكافحة الفساد والاستاذ المحاضر في معهد العلوم السياسية في باريس كريستيان ضرغام عبر "النشرة" الى أن "الدعوى بحق أوبيانغ استمرّت حتى العام 2017، ومحكمة باريس حكمت عليه بالسجن ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ وغرامة قدرها 30 مليون يورو أو 32.75 مليون دولار أميركي وصادرت ممتلكاته".
"وفقا للقانون الفرنسي فإنّه يجب إعادة الاصول المصادرة في قضايا الفساد الى الخزينة الفرنسيّة". هذا ما يؤكّده المحامي ضرغام، لافتا الى أنه "في حالات مشابهة لحالة أوبيانغ لن يكون عادلاً، لأن الاصول مملوكة من شعب غينيا الاستوائية لذلك صاغت فرنسا قانونا جديدا لتغطية مثل هذه الحالات ويقوم المشرعون بمراجعته".
Sherpa و Transparency International
ما حصل مع رئيس غينيا الاستوائية تيودورين أوبيانغ مثال عما يُمكن أن يحصل مع مسؤولين لبنانيين. إذ يشرح ضرغام أنه "إذا قررت Sherpa أو Transparency International (مركزها الاساسي برلين ولديها فرع في فرنسا) وAnticor، وهي فقط مخوّلة بتقديم دعاوى أمام القضاء الفرنسي كمنظمات بملفّات فساد، يختلف الموضوع"، مؤكدا في نفس الوقت أن "Sherpa لا تتحرّك إلا بإثباتات جديّة، وإذا فتحت ملف فساد كما حصل مع نائب رئيس غينيا ترفعه الى النيابة العامة الفرنسية وهي اما تأخذ بالدعوى (فيحُجز احتياطيا على ممتلكات السياسي أو الشخص في فرنسا الى حين البت بالحكم") أو لا، واذا لم تأخذ فيها يمكن للجمعيتين اللجوء الى قاضي التحقيق ليفتح تحقيق تلقائياً".
العقوبات المباشرة
يعتبر تحرّك الجمعيات في الخارج واحداً من الأساليب التي يُمكن أن تُستعمل بشكل أو بآخر لتطبيق العقوبات، ولكن في نفس الوقت يُمكن تطبيقهابشكل مباشر. هذا ما يؤكّده ضرغام أنه في الحالة المباشرة"يتم اتخاذ قرار في وزارة المال الفرنسية بوضع شخصية أو شركة على لائحة العقوبات"، مضيفا: "عندها يتم الحجز على أموال الشخص أو الشركة من قبل المصارف الموجودة في فرنسا، وهذه العقوبات تطبق على الأراضي الفرنسيّة والمصارف أيضا تقوم بتجميد الاموال".
Sherpa في لبنان؟!
في خضمّ هذا كلّه هناك من يعرف في لبنان أهمية اللجوء الى جمعيات كـSherpa في الخارج، وما يُمكن أن يكون تأثيرها في حال قررت السير في دعوى. إذ تكشف مصادر مطلعة على الملفّ لـ"النشرة" أن "عددا من الأشخاص من محامين ونشطاء زاروها في الفترة الاخيرة لتتحرك في قضايا فساد ضد مسؤولين لبنانيين"، لافتة الى أن "الجمعيات الخارجية ومنذ سنة تقريباً كثّفت نشاطها في بيروت وبات إهتمامها بالقضايا أكبر".
دور القضاء اللبناني
بدوره يلفت المحامي المختص في مكافحة الفساد وديع عقل الى أن "الملاحقات بملفّات الفساد تطال شخصيات سياسية عالميّة منها ايزابيل دوسانتوس(3) ابنة رئيس جمهورية انغولا السابق وغولنارا كريموفا(2) وهما شخصيتان عالميتان كانتا تملكان سيطرة على مقدّرات بلادهما"، مشيراً الى أنه "وفي لبنان إذا لم يسارع القضاء والهيئات الرقابيّة اللبنانيّةالى اتخاذ تدابير حاسمة وعملية في ملاحقة ملفات الفساد،سيفتح هذا الامر المجال أمام جمعيّات أو هيئات عالميّة للتدخّل في ملفات لبنانيين مسؤولين أو موظفين واتخاذ تدابير بحقهم في محاكم مختصة خارج لبنان وسيطلب بعدها من هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان والقضاء اللبناني اتخاذ ما يلزم تبعاً لتلك في الخارج".
تاريخياً فرنسا لم تضع العقوبات مباشرة على السياسيين أو المسؤولين في أي بلد، وأغلب العقوبات كانت أوروبية تطبق على الاراضي الفرنسيّة... ولكن يُمكن لباريس أن تضغط على السياسيين اللبنانيين من باب الجمعيات كـSherpa،للوصول الى حدّ منع السفر، وعملياً وضع لبنان كان مدار حديث في أورقة تلك الجمعيات في الأشهر الماضية... فهل تفعلها فرنسا وتصيب السياسيين من هذا الباب؟!.
(1) في شباط من العام 2017 فقد تيودورين اوبيانغ استئنافه لادانته عام 2017 باختلاس وغسل ما لا يقل عن 174 مليون دولار اميركي من الأموال العامة لبلاده لتمويل أسلوب حياته الفخم.
يحتوي قصر تيودورين الباريسي المكون من ستة طوابق على وحدات سباكة ذهبية وديسكو وحمام، قيمتها 117 مليون دولار. ناهيك عن السيارات الباهظة الثمن في المرآب والملابس والمجوهرات المصمّمة في الخزانات والاثاث، الذي تبلغ قيمته أكثر من 49 مليون دولار، بما في ذلك مكتب لويس الخامس عشر بقيمة 1.98 مليون دولار.
(2)غولنارا كريموفا (47 عاماً) ابنة رئيس اوزبكستان اسلام كريموف وكانت تميل الى خلافته، تملك سلسلة من العقارات البريطانية المذهلة، يحاول محققو مكافحة الفساد مصادرتها، فضلاً عن قصر غورس هيل -الذي تُقدر قيمته بـ39 مليون دولار أميركي- في مزرعة وينتوورث المُغلقة بمقاطعة سري، وقد اشترته بنحو 24 مليون دولار عام 2010.
ونتيجة لاتهامات بالفساد المالي حُكم على على غليلنارا كاريموفا بالسجن 5 أعوام في 2015 لمساعدتها عصابة إجرامية. ثم تلقت حكماً آخر بـ5 أعوام إضافية، بتهمة الاختلاس وممارسة أعمال الابتزاز في 2017، ثم خُفف الحكم بعد ذلك، ليصير إقامة جبريّة في شقتها بالعاصمة طشقند.
(3)إيزابيل دوس سانتوس ابنة الرئيس الأنغولي السابق التي تخضع لتحقيق قضائي، بتهمة استيلائها على خزائن البلاد، وذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية أنه بفضل شبكة تتألف من 400 شركة تم تحديدها في 41 بلدا"، تمكنت إيزابيل دوس سانتوس من "إقامة منظومة حقيقية للاستيلاء على الثروات العامة".