يعتبر البعض أنه على رغم استمرار معاناة العالم من انتشار فيروس كورونا فإنه لا بد من إعادة افتتاح المؤسسات التعليمية وعودة الطلاب إليها ضمن إجراءات خاصة، حتى أنّ هذا البعض يعتبر ذلك واجباً، ومنهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريتش الذي وصف العمل لعودة الطلاب بأنه «واجب أخلاقي»، معتبراً في توصيف دقيق «أننا نواجه كارثة من الممكن أن تهدر الطاقات البشرية».
160 دولة في العالم إضطرّت إلى إقفال مدارسها بعد انتشار كوفيد-19 ما أدى الى حرمان أكثر من مليار طالب من الحضور إلى المدارس.
واليوم، وعلى عتبة العام الدراسي الجديد، أعلنت دول كثيرة نيّتها بإعادة فتح المؤسسات التعليمية واعتماد طرق تعليم تواكب المرحلة وخطورتها المتمثّلة بوجود الوباء، فرأينا دولاً غربية وعربية وآسيوية تعلن عن انطلاق التدريس ضمن خطة تعليمية خاصة، ومنها من اعتمد التعليم اليومي عبر الحضور المُعتاد وآخرون النظام المدمج (خليط بين الحضور والأونلاين) كقطر ولبنان.
بالنسبة الى لبنان، وهذا ما سنحاول الإضاءة عليه، فقد أنهَينا عاماً دراسياً غير عادي بدأ مع انطلاق الحراك متأثراً بإقفال الطرق في بعض المناطق لتغلق المدارس أبوابها مع انتشار كورونا وتعتمد غالبيتها نظام التعليم من بعد، وقد أثبتت التجربة اننا غير مستعدين كما يجب لاعتماده لأسباب مختلفة.
كان لا بد للحكومة ووزارة التربية والأجهزة والمراكز التربوية المعنية أن تبدأ البحث في وضع الخطط البديلة من معاودة فتح المدارس وحضور التلامذة للجوء إليها فيما لو تعاظَمت جائحة كورونا، ومن واجبهم الطبيعي أيضاً العمل على تأهيل تلك المدارس والكوادر التعليمية والإدارية لمواكبة الأنظمة والأساليب المُحدثة في التعليم.
وعلى رغم من أنّ معظم الدراسات تشير إلى تدنّي نسبة انتشار الفيروس بين الأطفال وصعوبة نقلهم للعدوى، إلّا أنه لا وجود ايضاً لتقارير علمية تثبت ذلك، وانّ واجب الوقاية والتنبّه يبقى ضرورياً للحد من انتشار الوباء ولحماية المجتمعات والأطفال والكوادر التعليمة، خصوصاً انّ الاحصاءات تشير إلى أنّ نسبة كبيرة منهم لامَست العقد السادس من العمر، وخصوصاً في المدارس الرسمية.
إذاً، لم يكن أمام وزارة التربية خيار إلّا العودة الى فتح المؤسسات التعليمية مع مراعاة الشروط الصحية والوقائية المطلوبة والتنسيق مع وزارة الصحة العامة والداخلية والمنظمات الدولية المعنية (WHO , UNICEF , UNESCO) والإلتزام بالتوصيات الصادرة عنهم، وما يضاعف من صعوبة انطلاقة العام الدراسي الجديد 2020-2021 في لبنان هو تدهور الوضع الإقتصادي وتدني المستوى المعيشي للعائلات وضعف أو غياب المردود المالي عند كثيرين، ما يقلّل من القدرة لدى الأهل على تجهيز أولادهم ومنازلهم بوسائل الوقاية.
هذا الوضع المعيشي السيئ ـ بحسب الاحصاءات- قد يدفع بنحو 150 ألف طالب بالنزوح تحت عبء الأقساط المرتفعة من القطاع الخاص الى الرسمي وسط غياب الخطة المركزية عند الدولة لاستيعاب الأعداد في إطار نظام التعليم المُدمج لأسباب مختلفة قد يكون أبرزها غياب التمويل.
ومن خلال متابعتنا لهذا الملف الحيوي المتعلق ببناء الإنسان ونمو وازدهار المجتمع والبناء على قدرات أبنائه، وبعد تواصلنا مع عدد من أهل الاختصاص ومديري المدارس الرسمية، نرى أنّ الوضع سيكون أفضل بكثير لو اتّخذ المعنيون بعض الخطوات التي نشير إليها بالآتي:
ـ أولاً، الكشف سريعاً على مباني المدارس الموجودة حالياً، وإعادة تأهيل تلك التي تحتاج لذلك وإحداث غرف في المباني التي يمكن ان يتم تأهيلها لتستوعب أعداداً من التلامذة (غرف جاهزة مثلاً) ونكون بذلك قد حققنا استيعاباً للطلاب من جهة وتحقيق التباعد من خلال خلق مساحات لتطبيق إجراء التباعد المكاني.
ـ ثانياً، تجهيز المؤسسات التعليمية بوسائل التعليم الالكترونية المستخدمة في نظام الأونلاين (أجهزة كمبيوتر، إنترنت مجاني...) واجب العودة إلى التعليم في ظل استمرار وباء كورونا.
- ثالثاً، إجراء دورة تدريبية مكثّفة للمعلمين حول طرق استخدام أنظمة التعليم عن بعد، والتواصل مع أولياء أمر التلامذة من خلال لجان الأهل لتنفيذ ورش عمل تساعد الأهالي في التعرّف أكثر الى طرق التعليم المتبعة.
ـ رابعاً، تأمين حاجة المؤسسات التعليمية من المعلمين من خلال التعاقد (وإعطاء الأولوية لأصحاب الخبرة)، وخصوصاً التعليم الأساسي الذي لم يحصل فيه أي تعاقد منذ العام 2010.
- خامساً، الإفراج عن حقوق الأساتذة المتأخرة، فمن غير الطبيعي أن تطلب من المعلّم التدريس في ظروف معقدة وأن تمنع عنه حق يطالب به.
ـ سادساً، إحداث مركز (Call center) في كل منطقة عقارية أو تربوية بحسب عدد المدارس، يتم من خلاله تسلّم طلبات التسجيل في المدارس الرسمية ضمن المنطقة، ما يسهّل عملية توزيع الطلاب وتحديد القدرة الاستيعابية لكل مدرسة، وأيضاً إجراء إحصاء دقيق لعدد التلامذة المسجلين.
- سابعاً، تحرير المستحقات الخاصة بصندوق المدارس ودفعها وتعديل ما يلزم للسماح للمديرين بالتصرّف بأموال الصندوق ضمن حد معيّن، وبرقابة لاحقة على تلك الأعمال.
ـ ثامناً، السماح لمديري المدارس بقبول الهِبات العينية أو المادية في إطار من الشفافية والوضوح ضمن آلية تسمح للإدارات بالتواصل مع المتبرعين وتحفظ الهبات، وذلك بمستند رسمي يخضع للرقابة اللاحقة ويلزم الإدارة بالتصريح رسمياً عن كل هِبة مستلمة.
- تاسعاً، إطلاق يد مديري المدارس للتواصل مع المجالس واتحادات البلديات، والتي يقع على عاتقها العمل لتوفير الكهرباء للمدرسة الرسمية (عبر المولدات) وتعقيم المباني والصفوف، وتأمين تلك المستلزمات للمدارس أو المساعدة في إعادة تأهيل المباني، بحسب قدرات تلك المجالس ومواردها .
ـ عاشراً، فرض عدد محدد من التلامذة خلال التنقل في «باص» المدرسة لتحقيق التباعد المكاني، بالتنسيق مع وزارة الداخلية لضرورة الالتزام وتغريم المخالفين وصولاً الى منعه من نقل الطلاب في حال تكرار المخالفة.
هذا بالاضافة الى دعم الكتاب المدرسي والقرطاسية التي ارتفعت أسعارها جنونياً، مع إمكانية حصر بيع القرطاسية داخل المدارس وذلك لضمان استفادة الأهل من الدعم الحاصل.
في الخلاصة، ومع استمرار معاناة العالم مع هذا الوباء، كان رأي الكثيرين بالعودة تدريجاً الى الحياة المعتادة مع التشديد على الالتزام بإجراءات الوقاية المفروضة وتحقيق التباعد الجسدي، وهذا ما يجب أن يحصل في المؤسسات التعليمية حيث أنّ طلابنا في حاجة للعودة الى مقاعد الدراسة، ففي مراحل تعليمية معينة لا يحقق التعليم عبر الأونلاين الغاية المرجوّة منه، على أن تكون المتابعة دقيقة ويومية مع مديري المدارس ويجري تقييم الخطوة في استمرار ومراقبة تفشي الوباء ضمن المناطق، ليبنى على الشيء مقتضاه واتخاذ القرارات وفرض الإجراءات المناسبة.