إعتبارًا من الأسبوع المُقبل، ستُعاود أغلبيّة المدارس والمِهنيّات والجامعات في لبنان فتح أبوابها أمام التلاميذ والطلاب، كما حدث في أغلبيّة دول العالم التي بدأت عامها الدراسي 2020–2021 مطلع أيلول الحالي. فما هي التوقّعات بشأن العام الدراسي الطالع، وهل سيكون طلابنا وتلاميذنا وكوادرنا التربويّة، بمنأى عن إلتقاط وباء كورونا؟.
لا شكّ أنّ وزارة التربيّة والقيّمين على المدارس والجامعات، توافقوا على سلسلة إجراءات سيتمّ تطبيقها خلال العام الدراسي الطالع، وأبرزها خفض القُدرة الإستيعابيّة للصُروح التربويّة إلى النصف، عبر تقسيم طلاب كل صفّ إلى مجموعتين: المجموعة الأولى تُداوم أيّام الإثنين والأربعاء والجمعة من أوّل اسبوع وأيّام الثلاثاء والخميس من ثاني أسبوع، والمجموعة الثانية تُداوم في الأيّام الباقية من كلّ أسبوعين، وهكذا دواليك، علمًا أنّ المجموعة التي تكون في المنزل تُتابع التعلّم عبر شبكة الإنترنت بالتزامن مع المجموعة الحاضرة في الصفّ. وسيتم تقليص ساعات التدريس، وفرض إرتداء الكمّامات، وتشجيع التباعد الإجتماعي، والحثّ على غسل اليدين وتعقيمها، إلى ما هناك من إجراءات جيّدة ومُفيدة.
لكنّ كل هذه التدابير لن تحول دون وُقوع إصابات لا محالة، إن بين التلاميذ والطلاب، أو بين الكادر التعليمي والإداري، وسينتقل الوباء من خارج حرم المدارس والجامعات إلى داخلها، ومن هذه الأخيرة إلى الأهل في منازلهم! وهذا ليس مُجرّد تكهّن أو مُجرّد رأي مُتشائم، بل هو واقع مَلموس سبقتنا إليه الدول الغربيّة التي بدأت العام الدراسي الحالي قبلنا، وتحديدًا مطلع شهر أيلول. فمثلاً، في فرنسا عاد مجموع أرقام الإصابات بوباء كورونا ليرتفع بشكل كبير، بعد إستئناف العام الدراسي بالأمس القريب، وقد إضطرّت السُلطات الفرنسيّة إلى إعتماد تدبير إعادة الإقفال الجزئي والكلّي في بعض المدارس، في ظلّ تخوّف من ألا يتمكّن التلاميذ مُجدّدًا من إكمال العام الدراسي حُضوريًا، بسبب إرتفاع وتيرة الإصابات بوباء كورونا بشكل سريع. وعلى سبيل المثال لا الحصر أيضًا، إعتمدت كندا برنامجًا مُتطوّرًا يتابع حالات الإصابات المُسجّلة في المدارس، وما أن يتمّ الإبلاغ عن أيّ إصابة في مُطلق أيّ مدرسة، حتى يُرسل كل المُخالطين لهذه الحالة إلى المنزل لقضاء فترة عزل إلزاميّة بالتزامن مع إجراء الفُحوصات اللازمة للأساتذة والإداريّين الذين إحتكّوا بالحالة المُصابة. واللافت أنه بعد مُرور أسابيع قليلة جدًا على مُعاودة العام الدراسي، أصاب الوباء مئات المدارس الكنديّة، والرقم في تصاعد مُستمر.
وبالتالي على السُلطات التربويّة في لبنان، إن الرسميّة أو الخاصة منها، عدم الإكتفاء بخطّة العودة التي جرى إعدادها، لأنّ التجربة في مدارس ومعاهد وجامعات الدُول الغربيّة غير مُشجّعة. وبالتالي من الضروري تحضير خُطّة تُوضح للجميع كيفيّة التعامل مع بدء تسجيل الإصابات في المراكز التعليميّة، وعدم الإكتفاء بالحديث عن وُجود خُطة جاهزة للتعليم عن بُعد في حال إقفال المدارس مُجدّدًا، لأنّ تجربة العام الماضي في هذا الصدد لم تكن ناجحة. وقد لا تمضي أسابيع قليلة على العودة إلى المدارس، لتعلو الصرخات هنا أو هناك، ما أن يبدأ رصد الإصابات بالوباء.
إشارة إلى أنّه بحسب أحدث الإحصاءات، تجاوز إجمالي عدد الأشخاص الذين أصيبوا بوباء كورونا في العالم، منذ نهاية كانون الأوّل الماضي حتى تاريخه، عتبة الثلاثين مليون شخص، تماثل منهم نحو 22 مليون شخص إلى الشفاء التام، وتوفّي نحو 950 ألف شخص، بينما يُواجه الباقون وعددهم يزيد قليلاً عن 7 ملايين شخص، الوباء، وبعضهم يُصارعه بصُعوبة، حيث أنّ أكثر من 61 ألف شخص في العالم حالتهم حرجة. وفي لبنان، تجاوز إجمالي عدد الإصابات عتبة 26 ألف إصابة، وبدأنا نشهد وتيرة إصابات يوميّة تبلغ نحو 600 إصابة حاليًا، علمًا أنّ الفُحوصات اليوميّة تبلغ نحو 8000 إختبار فقط. كما بات عدّاد الوفيّات يشهد زيادة يوميّة-ولوّ بوتيرة مضبوطة حتى الساعة، علمًا أنّ عدد الحالات الحرجة تجاوز المئة وعشرين حالة.
وبكل بساطة، هذه الأرقام تعني أنّنا لا نزال في خضمّ أزمة كورونا، والتركيز يجب ألا يكون إطلاقًا على كيفيّة إقناع الأهل بدفع الأقساط، بل على كيفيّة نقل أكبر قدر مُمكن من المَنهج التعليمي، إلى التلاميذ والطلاب، بأقلّ عدد مُمكن من الإصابات بوباء كورونا، مع الإحتفاظ طبعًا بحق كل مُعلّم وأستاذ بنيل راتبه.
في الختام، وفي إنتظار أن يتوفّر اللقاح المُناسب والفعّال بشكل أكيد على المُستوى العالمي، وأن تصلنا منه الكميّات الكافية للبنانيّين، علينا التأقلم مع نموذج الحياة الصعبة في زمن كورونا! لكنّ المُشكلة أنّ تجربة تدابير الوقاية وإجراءات الحماية التي إعتمدت في لبنان، في مختلف القطاعات خلال الأشهر الماضية، لم تكن مُشجّعة، شأنها شأن مدى إلتزام قسم كبير من اللبنانيّين بمطلبيّ التباعد الإجتماعي وإرتداء الكمّامات. وبالتالي، ما لم تكن التجربة مُختلفة داخل المدارس، توقّعوا أن تُطلّ الإصابات بوباء كورونا بعد أسابيع قليلة-ما لم يكن بعد أيّام فقط، من إفتتاح العام الدراسي. وما لم تكن الخُطط جاهزة للتعامل بجدّية مع هذا الإحتمال السيّء، على العام الدراسي المُقبل السلام!.