انتهت نشوة الاضواء والمهرجان الاعلامي الذي استضافه البيت الابيض بداية الاسبوع الحالي، وشهد توقيع كل من البحرين والامارات العربية المتحدة واسرائيل اتفاقاً لتطبيع العلاقات بينها، برعاية وحضور الرئيس الاميركي دونالد ترامب. كل من الحاضرين، تواجد في المكان نفسه انما لاهداف مختلفة، ولكن النتيجة الوحيدة التي تجمعهم كانت المصلحة الشخصيّة. فترامب كان بحاجة الى "انجاز" ما، اكان على الصعيد المحلي ام الدولي، لرفع نسبة شعبيته عشية موعد الانتخابات الاميركية، وبما ان كورونا اطاح بأي حلم لانجاز داخلي، كان الاستعجال لتحقيق التطبيع.
الشعبية ايضاً كانت هدف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي لا يعيش احلى ايامه داخلياً، وهو يحاول للمرة الاولى ربما منذ عقود من الزمن، استبدال الحلول العسكرية التي طالما امّنت له شعبية وافرة في الداخل الاسرائيلي، باتفاق مع دولتين عربيتين، ليلبس قناع "رجل السلام" بعد ان خلع قناع "رجل الحروب".
اما الامارات والبحرين، فلا حرج لديهما بالتوقيع، لانهما باتا يطالبان باستقلالية ما عن الدول العربية الاخرى، وبالاخص عن الشقيق الاكبر اي السعوديّة، وفضّلا استبدالها بـ"زواج" لأمد طويل مع الاميركيين سعياً لحفظ امنهما، لانه اياً تكن نتيجة الانتخابات الاميركية المقبلة، سيكونان الرابحين كونهما عبّدا الطريق امام الرئيس المقبل، في الترحيب بهما بعد قفزهما في الحضن الاسرائيلي.
ولعل الخسارة الاكبر في هذه المعمعة، هم العرب والفلسطينيون فقط. فمن خلال هذا الاتفاق، تم تشريع وفاة المبادرة العربية للسلام التي طرحت عام 2002 في بيروت، والتي نصّت في احد بنودها على انهاء الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي قبل القيام بأيّ تطبيع عربي مع اسرائيل. ولن ينفع تذرّع الامارات بأنّ الاتفاق الزم اسرائيل تجميد خطط ضمّ اراضٍ فلسطينية التي كانت اعلنت عنها، لان الكلمة الصحيحة هي "تجميد" وليس "الغاء"، ووفق التجارب مع الاسرائيليين، فقد لا تطول هذه العمليّة بتاتاً. واللافت ان المعنيين الحقيقيين بالصراع العربي-الاسرائيلي اي الفلسطينيين، هم خارج الاطار كلياً، وقد انطلق قطار التطبيع والسلام وهم خارجه، فبعد مصر والاردن، ها هي الامارات والبحرين، وقد بشّر ترامب بانضمام دول اخرى قريباً جداً الى هذا المسار، وغمز من قناة السعوديّة تحديداً. وهذا ان دلّ على شيء، فعلى ان القضية الفلسطينية قد ماتت بالنسبة الى العرب، وانه لم يبقَ الا ايران وتركيا وبعض الدول العربيّة المعدودة التي تتمسك بموقفها من حقوق الفلسطينيين، غير انّه لا يمكن الاعتماد كثيراً على موقف ايران وتركيا لانّ مصلحتهما تبقى فوق اي اعتبار، وحين تتلاقى هذه المصلحة مع الابتعاد عن الفلسطينيين، فسيكون موقفهما مشابهاً لموقف الامارات والبحرين ومن سيلحق بهما بعدها.
لذلك، فإن الربح الوحيد المحقّق هو لحكّام الدول الموقّعة، لانّ الدول الخليجيّة تدرك جيداً ان عدم التحالف الطويل الامد والثابت مع الولايات المتّحدة سيؤدّي الى انتقال الحكم من العائلات المالكة، وبما ان تأثير القضية الفلسطينية على هذه العائلات يبقى ضعيفاً وخارج الحسابات، فإن مصلحتها تكمن في البقاء على اتّصال لصيق بواشنطن، ولتحقيق هذا الهدف، فإن الطريق الاضمن هو اسرائيل.
بهذه التواقيع وغيرها، ينتهي بشكل رسمي مسار القضية الفلسطينية والصراع العربي-الاسرائيلي، لتدخل المنطقة مساراً جديداً من الصراع قوامه الصارع الشيعي-السنّي المتمثّل بايران من جهة ودول الخليج من جهة ثانية، ولا يبدو انّ الامر سيصل الى نهاية ملموسة في المدى القصير، وهو ما سيوجب حتماً انضمام دول جديدة الى التطبيع وولادة الشرق الاوسط الجديد الذي طال امده منذ انطلاق الفكرة عام 2006، وانتقالها من الخيار العسكري الى الخيار الاقتصادي، وتغيير وجهة العدو من اسرائيل الى ايران.