كان رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة يعيش التقاعد السياسي عملياً، رغم مشاركته في إجتماعات رؤساء الحكومات السابقين وإطلاقه مواقف بين فترة وأخرى، تذكّر بوجوده السياسي كرئيس حكومة ووزير ونائب سابق، عاش عزّه الذهبي قبل أن يتسلّم رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري زمام المبادرة، فرسم دور الأخير حدودَ الأول الذي بات خارج دائرة القرار الأزرق. عزّز خيار "الشيخ سعد" عدم وجود شعبية لبنانية للسنيورة بسبب سلوكه في "بيت المال" وإرتباط إسمه بالضرائب، إضافة إلى السخط السياسي الواسع من معظم مكوّنات البلد على رئيس حكومة ترأس مجلس الوزراء في زمن النزاع السياسي الداخلي، فزاد من حجم الأزمات التي انهاها إتفاق الدوحة.
لكن عاد إسم السنيورة ليبرز من جديد "كمدير" لمجلس رؤساء الحكومات السابقين. عندما سمّى هذا المجلس سفير لبنان في ألمانيا د. مصطفى أديب مرشحاً أوحد لرئاسة الحكومة، تصدّر رؤساء الحكومات إلى الواجهة. ساد الإعتقاد بأن الرئيس الأسبق للحكومة نجيب ميقاتي هو الذي فرض على زملائه في المجلس إسم أديب، وهو الذي يتحكّم بمسار مجلس رؤساء الحكومات السابقين. ليتبيّن أن السنيورة هو مدير مجلس "تشخيص النظام". تتحدث المعلومات عن أنّ انه هو الذي يدفع كل رؤساء الحكومات السابقين نحو إلتزام موقف التشدّد تجاه مطالب الثنائي حركة "أمل" و"حزب الله" بشأن حقيبة المالية. لكن هل تأتي نتعة السنيورة من تلقاء نفسه؟ أم إنطلاقاً من تاريخه السياسي ضد "حزب الله"؟ أم لأن المرشح لإستلام حقيبة المالية محسوب عليه؟ قد تكون كل تلك الأسباب مجتمعة. لكن السؤال الذي لا يزال مثار جدل وإستغراب: ما هو السبب الذي دفع الحريري للإستسلام أمام تشدّد السنيورة؟ يقول العارفون أن "الشيخ سعد" إعتقد أنه ينفذ إنقلاباً يخدمه بإتجاهات عدة: يُجهض تمدّد شقيقه بهاء في الساحة السنية. يبرهن للسعوديين انه قادر على التحكّم بزمام اللعبة اللبنانية. يجاري الأجواء الدولية وتحديداً الأميركية التي تُعاقب "حزب الله". يُظهر للفرنسيين مُقدراته اللبنانية. يُحاكي المعارضين "الثوريين" في الشارع. يستميل القوى السياسية الهاربة من التحالف معه كحزب "القوات".
يقول المطلعون إنّ الحريري الذي واجه حائطاً مسيحياً مسدوداً في الأشهر الماضية منعه من العودة الى السراي الحكومي مجددا، يحاول الآن خرق هذا الجدار بقوّة المشاكسة للثنائي الشيعي. هو يستطيع أن ينجح في تحقيق أمانيه المفترضة، لكنه يُحرق أوراقه مع الثنائي الشيعي. إذا صحت تلك السيناريوهات، فهل راهن الحريري على مصالحة ممكنة لاحقاً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري؟ ربما ستكون المرحلة مختلفة مع من اعطاه "لبن العصفور".
أين باقي أعضاء مجلس "تشخيص النظام"؟ كان رئيس الحكومة السابق تمام سلام يتمايز عن باقي زملائه، لكنه في الإجتماع الأخير أظهر حدّة في الرأي، لدرجة أنه فاجأ الآخرين المجتمعين. هنا برز السؤال: هل هناك ضغوط عربية واميركية تدفع رؤساء الحكومات السابقين لمزيد من التشدد؟ كل المؤشرات تشير إلى ذلك، بدليل مشاكسة الحريري والسنيورة للتمني الفرنسي بحل الأزمة المتعلقة بحقيبة المالية، وإنضمام سلام، ورضوخ ميقاتي للرأي المجلس.
يمكن القول أن رؤساء الحكومات السابقين الذين يريدون الحفاظ على مقام رئاسة الحكومة هم أكثر من غيّب دور أديب حالياً، حتى بات مجلسهم هو صاحب القرار وتحديد المسار: أين رئيس الحكومة المكلف؟ يُظلم مصطفى أديب.