يحصل فقط في بلد العجائب لبنان، صدقوا أو لا تصدقوا، ففي ملف تفوح منه روائح الفساد والصفقات والمحسوبيات وهدر المال العام بمبالغ تتخطى العشرين مليار دولار، وبعد ستة أشهر على تقديم الإخبار بالملف الفضيحة أمام النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان برئاسة القاضية غادة عون، قررت الهيئة الإتهامية في جبل لبنان برئاسة القاضي ربيع الحسامي، تخلية سبيل جميع الموقوفين في الملف الذي عرف بملف "الفيول المغشوش". عشرون مليار دولار إنتهت بإخلاءات سبيل مقابل كفالات مالية تراوحت بين خمسة ملايين و20 مليون ليرة لبنانية، وبقرارات منع سفر، أي بمعنى آخر، كفالات مالية تراوحت بين 666 دولاراً أميركياً و2666 دولاراً على سعر صرف الدولار في السوق السوداء أي 7500 ليرة، كل ذلك وكأن هدر العشرين مليار دولار لم يكن. مصادر قضائية كشفت لـ"النشرة" ان القرار داخل الهيئة الإتهامية لم يتخذ بالإجماع بل بالأكثرية. فالهيئة الإتهامية في جبل لبنان مؤلفة من ثلاثة قضاة، القاضي ربيع الحسامي رئيساً، تشاركه بعضويتها القاضيتان زينة حيدر وإنياس معتوق. وهنا تكشف المعلومات أن القاضية معتوق هي التي إعترضت على قرار إخلاءات السبيل، على إعتبار أن الملف هو ملف فساد بإمتياز، وان الموقوفين لا يجب أن يصبحوا خارج السجون قبل الحكم النهائي وقبل كشف حقيقة الملف الذي أثار ضجة كبيرة على صعيد الرأي العام. وعندما انهت معتوق مداخلتها، قرّر الحسامي اللجوء الى التصويت الذي حسم بصوته وصوت القاضية حيدر لصالح إخلاء سبيل جميع الموقوفين مقابل كفالات مالية وقرارات منع سفر بحق البعض.
فبدل أن تصدر السلطات القضائية والسياسية مذكرات إسترداد بحق الهاربين في الملف الى خارج لبنان من وجه العدالة وأبرزهم الأخوان ريمون وتيدي رحمه، أطلقت سراح ما لديها من موقوفين في الملف!.
وبدل ان تلاحق الهاربين من وجه العدالة داخل لبنان وأبرزهم المدير العام السابق للمنشآت النفطية سركيس حليس، أطلقت ما لديها من موقوفين بالملف!.
بدل أن تلاحق البساتنة الذي ورد إسمهم في التحقيقات والذين عملوا لسنوات وسنوات على إستيراد الفيول قبل شركة zr energy التي يملكها الاخوان رحمه، أطلقت ما لديها من موقوفين في الملف!.
بدل أن ترفع السرية المصرفية عبر مصرف لبنان عن حسابات جميع المتورطين في ملف الفيول المغشوش، تطلق ما لديها من موقوفين في الملف!.
وبدل أن تضع أورور الفغالي بالتصرف وتقيلها من وظيفتها على الأقل الى حين إنتهاء التحقيقات بالملف، رقّتها من منصبها الى آخر أعلى رتبة داخل وزارة الطاقة والمياه، كل ذلك على رغم ورود إسمها بمخالفات وظيفية عدة خلال التحقيقات.
نعم يحصل فقط في بلد العجائب لبنان. وهناك من يسأل بعد، لماذا وصلنا الى هنا؟ لماذا فقد الشعب الثقة والأمل؟ لماذا يفكر الكثيرون بالهجرة؟. والجواب لأن العيش في الغابة أصبح أفضل واعدل بكثير من العيش بدولة من دون قضاء ومحاسبة ومن دون قوى أمنية وملاحقات وتوقيفات، ومن دون تحديد مسؤولية من هو مرتكب وتبرئة من هو بريء.