منذ إقرار إتفاق الطائف في العام 1989، حتى الساعة، لايزال الفريق السعودي في لبنان، يركز جهوده، على محاولة إلغاء سلطة رئاسة الجمهورية اللبنانية، على أن لا يتجاوز دورها، حق إصدار بعض المراسم البروتوكولية، إن لم نقل "الفولكورية".
وللغاية أعلاه، أي إلغاء صلاحيات الرئاسة الأولى، بعدما أفقدها "الطائف"، دور الحكم بين مؤسسات الدولة، ومختلف المكونات اللبنانية، سخر الفريق المذكور، كل ما أوتي له من إمكانات، خصوصاً المادية منها، لاستكمال تهميش دور هذه الرئاسة، كما كانت العلاقة قائمة بين الرئاستين الأولى والثالثة، في عهد الرئيس الراحل الياس الهرواي، بعدما رفض قائد الجيش في حينه العماد إميل لحود، تلقي راتباً شهرياً من رئيس الحكومة الأسبق الشهيد رفيق الحريري، بقيمة 500 ألف دولار شهرياً، أثر ذلك، طلب الهرواي تحويل المبلغ الى حساباته، فجاءت الموافقة الحريرية، مقابل إنحسار دور الهراوي، في الاستقبالات، والتقاط الصور التذكارية، وتوقيع المراسيم، بروتوكولياً، لا أكثر، وترك الحكم الى الحريري، الذي لم يكن يوم توليه رئاسة الوزراء في لبنان في العام 1992، رئيساً لكتلة نيابية وازنة، بل رجل أعمال دعمت سورية، تحديداً نائب الرئيس الجمهورية الأسبق فيها، الراحل عبد الحليم خدام، وصوله الى السلطة.
وبالأسلوب عينه، عمّق الحريري علاقاته مع سلطة الوصاية السورية على لبنان، أي تقديم الرشى والهدايا، للقادة الأمنيين في هذه السلطة، لاستحصال الحريري على مزيد من النفوذ، لتعزيز موقعه السياسي، وتعميق سلطته، وتقوية دوره. وتتوجت هذه العلاقة، بإقرار قانون إنتخابي في العام 2000، عرف بـ "قانون غازي كنعان"، أنتج كتلة نيابية وازنة للحريري، من خلال التحالف في الانتخابات النيابية في العام عينه، مع شخصيات مقربة من دمشق، كالنواب السابقين : ناصر قنديل، باسم يموت، والمرحوم عندنان عرقجي، وغيرهم... وأدى ذلك الى إعادة الحريري الى السلطة بقوة، بعد خروجه منها في العام 1998. ووصل الأمر بالحريري الأب، إلى منح مفتاح بيروت الى اللواء غازي كنعان، حزنا على مغادرته لبنان ورداً لجميل الرجل عليه.
وما أشبه الأمس باليوم، وفي ضوء التدخل الفرنسي الراهن في لبنان، ليس بجديد، على "الحريرية السياسية"، إستغلال علاقاتها الخارجية، وتوظيفها في الداخل اللبناني، من أجل الحصول على مكاسب سياسية آنية، وبعض المنافع. كما استغل الحريري علاقته بالرئيس الفرنسي الراحل جاك شيرك لتوظيفها في الداخل. ولهذه الغاية، أي مساعدة الحريري في تحقيق غايته، حاول شيراك التقرب من لحود، واستمالته، لكنه لم يبد تجاوباً للطلب الفرنسي، خصوصاً بعدما رفض لحود إعادة الاستشارات النيابية الملزمة، لاعادة تسمية الحريري رئيساً مكلفاً لتشكيل الحكومة في العام 1998. يومها دعا لحود الى إستشارات أخرى، كلف أثرها، الرئيس سليم الحص، بتشكيل الحكومة.
والجديد اليوم، في ضوء المبادرة الفرنسية، هو إستغلال "الحريرية"، ونادي رؤساء الحكومات السابقين، بقيادة الرئيس فؤاد السنيورة، للمبادرة المذكورة، لفرض أجندة أميركية – سعودية، ترمي الى إقصاء تحالف ح ز ب الله – حركة أمل- التيار الوطني الحر، عن السلطة في لبنان.
واستند السنيورة في ذلك، الى تجربته في أواخر العام 2006، يوم استأثر بالحكم، وتفرد في السلطة، على رأس حكومة مبتورةٍ، وفاقدة للميثاقية، بعد خروج الوزراء الشيعة والوزير يعقوب الصراف من حكومة السنيورة الأولى. يومها تمكن الأخير من صرف 11 مليار، لم يعرف مصيرها حتى اليوم، كذلك كان له إسهام في إصدار مجلس الأمن الدولي القرار 1757، الذي أفضى الى إنشاء محكمة خاصة للنظر في جريمة اغتيال الرئيس الحريري.
أما الإنجاز الأهم وفقاً لحسابات السنيورة، هو أنه، برّهن أن رئاسة الحكومة، هي سلطة قائمة بذاتها، وبوسعها أن تحكم البلد منفردة، بحسب رأي مرجع شيعي. ويعتبر أن السنيورة اليوم، يراوده حنين الى إعادة تجربة العام 2006، ولكن من خلال استغلال المبادرة الفرنسية، خصوصاً بعد موافقة الثنائي الشيعي على تكليف الدكتور مصطفى أديب، بتشكيل الحكومة المرتقبة، بعدما حظي بدعم رؤساء الحكومات السابقين. وقد جاءت هذه الموافقة، حرصاً من "الثنائي" على التوازن الوطني في السلطات، ودائماً بحسب المرجع.
ويؤكد أن رؤساء الحكومة كانوا في صدد تنفيذ إنقلاب على رئاسة الجمهورية، وتحالف التيار- أمل- الحزب، بطلب أميركي - سعودي، من خلال محاولة فرض أديب (المنقلب على من سماه)، تشكيلة حكومية ، لا تراعي "تركيبة البلد"، عبر التلطي خلف المبادرة الفرنسية، والاستقواء بالفرنسيين، كذلك استغلال إيجابية النائب جبران باسيل، الذي أبدى استعداده لتقديم كل التسهيلات لنجاج مهمة أديب، ولم يشارك أصلا في جريمة إسقاط حكومة الرئيس حسان دياب، بالتالي من حق باسيل إتخاذ هذا الموقف. على حد قول المرجع.
وفي التفاصيل، يروي المرجع أنه عندما زار الرئيس المكلف، قصر بعبدا، لعرض تشكيلته الوزارية ، على رئيس الجمهورية في بداية الأسبوع، للتوقيع عليها، ثم إعلان ولادتها ،فلم يمانع الرئيس عون، لكنه استخدم صلاحياته الدستورية، واستمهل قبل أن يوقع، لإجراء المشاورات اللازمة، للتحقق من إمكان حصول الحكومة العتيدة على ثقة مجلس النواب.
ومن حق العماد عون، الا يوافق، على أن تذهب حكومة تصريف أعمال، لتحل محلها حكومة تصريف أعمال أخرى، برئاسة أديب، كي يتمكن من خلالها رؤساء الحكومات من التحكم بمفاصل السلطة، حتى لو لم تحصل على ثقة البرلمان. لهذه الغاية، أجرى الرئيس عون مشاورات مع الكتل النيابية، وتبين في حصيلتها، أن حكومة أديب، لن تنال ثقة أكثر من 56 نائباً، هذا في حال أعطته كتلة "القوات اللبنانية"، الثقة في البرلمان، نكاية "بالحزب" و"التيار". وهو في حاجة، اي أديب الى ثقة 61 نائباً، كي تنال حكومته ثقة المجلس النيابي، وهذا الأمر، غير متوافر، بعد إنقلابه على من سماه، رئيساً مكلفا، خصوصاً بعد رفضه إسناد حقيبة المال، للشيعة. علماً أن الفرنسيين تأكدوا من الرئيس حسين الحسيني، أنه تم الاتفاق، في الطائف، على اسناد حقيبة المال، للشيعة، ثم استولى عليها الرئيس رفيق الحريري، "بقبة باط" من الرئيس تبيه بري، كما ينقل المرجع.
أمام هذا الواقع، تم تمديد المهلة الفرنسية المعطاة، لتأليف الحكومة الجديدة، افساحاً في المجال أمام المزيد من المشاورات، لولادة حكومة، تحصل على ثقة البرلمان، تلافياً لسقوط مبادرة ماكرون، التي فقدت زخمها... وهكذا تم إسقاط محاولة إنقلاب السنيورة ورفاقه على الدستور ومؤسسات الدولة، وجنّب رئيس الجمهورية البلاد أتون فتنة كبيرة، كادت أن تحصل لولا حكمة عون، يختم المرجع.