عندما تخرج الأمور عن السيطرة في سجن رومية بسبب تفشي فيروس كورونا، نكون أمام مشهدين إثنين:
مشهد أول تعمل فيه القوى الأمنية المولجة إدارة السجون وبالتنسيق الكامل مع الوزارات التي تتبع لها، الى تسريب أرقام غير صحيحة عن الأعداد الحقيقية للمصابين، أي بمعنى آخر يتم نشر أرقام مخفّضة عن عدد الإصابات المسجلة داخل السجن بهدف التخفيف قدر الإمكان من إنتفاضة السجناء وتصعيدهم.
ومشهد ثانٍ يتعاطى فيه السجناء مع تفشّي كورونا وكأنه الخرطوشة الأخيرة التي يملكونها بين أيديهم لإصابة هدف العفو العام. تخيلوا مثلاً ان عدداً كبيراً من السجناء يرفض إجراء فحص الـpcr والهدف من ذلك المساهمة بتفشي الفيروس أكثر فأكثر داخل السجن للضغط على القوى السياسية وإقرار قانون العفو العام في مجلس النواب، خصوصاً بعدما علم السجناء أن رئيس مجلس النواب نبيه بري دعا الى إجتماع لهيئة مكتب المجلس وعلى جدول اعمالها قانون العفو العام.
يحكى أن عدد الإصابات في سجن رومية وصل الى 325 مصاباً بكورونا لكن المصادر المتابعة لملف السجن، تؤكد وبما لا يقبل الشك أن الأعداد أكثر بكثير من ذلك وأن القوى الأمنية لا تكشف عن العدد الحقيقي للمصابين، وأن الرأي العام اللبناني الذي صدم من خبر تسجيل 1006 إصابات في كل المناطق اللبنانية بين السبت والاحد الفائتين، سيتعرض لصدمة مضاعفة بعد فترة قصيرة عندما يعرف أن عدد المصابين في سجن رومية إقترب من عتبة الألف مصاب. أخطر ما سرّبه السجناء خلال الأيام القليلة الماضية، أي قبل تأجيلهم إنتفاضتهم ظهر أمس، هي المعلومات التي تتحدث عن عدد من عناصر قوى الأمن الداخلي كان من المتوقع أن يشارك بإنتفاضة السجناء أو أن يغضّ النظر عنها، على إعتبار أن العناصر المولجة حماية السجن لم تعد تتقبل الوضع المزري داخل السجن المركزي وأن الفيروس بدأ يفتك بها كما السجناء نظراً الى نسبة الإكتظاظ المرتفعة داخله، والتي تفيد التقارير بأنها وصلت الى 220 % إذ أن كل سجين يعيش ضمن متر مربع واحد. من أساليب الضغط التي يعتمدها السجناء، تسريبهم معلومات تتحدث عن إصابة مشايخ محكومين بملفات إرهاب كخالد حبلص الذي قاد عملية بحنين ضد الجيش اللبناني، وذلك ظناً منهم بأن اللعب على الوتر الطائفي قد يحرك ملف العفو العام أكثر من أي عامل آخر. أسوأ ما في الأمر أن المبنى الذي ينقل اليه السجناء المصابون بكورونا داخل سجن رومية لا يمكنه أن يستقبل أكثر من 250 شخصاً، ولأن المبنى المذكور غير قادر على إستيعاب جميع المصابين، يتم وضع أكثر من سجين في الغرفة الواحدة وهذا أمر خطير من الناحية الصحية.
سجن رومية الذي لطالما وُصف بـ"القنبلة الموقوتة" إنفجر في زمن كورونا تحت عنوان العفو العام. وفيما السياسيون مختلفون على تشكيل الحكومة على رغم الزخم الفرنسي الذي أعطاه الرئيس إيمانويل ماكرون، فهل من عاقل يصدق أنهم سيتفقون على قانون عفو عام، كل فئة تقاربه فقط إنطلاقاً من مصالحها وما يريده جمهورها؟ بالتأكيد لا، لن يتفقوا، وعنوان الخلاف الأول سيكون العفو العام لتجّار المخدرات لا للإرهابيين الذين قتلوا الجيش والمدنيين بمعاركهم وتفجيراتهم.