لم تنقطع التعليقات (الخبيثة وغير الخبيثة) حول ما قاله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال اللقاء الصحافي الذي عقده في قصر بعبدا منذ يومين، وانحصر بالنسبة الى هؤلاء بكلمة واحدة "جهنّم". منهم من يرى ان عون اخطأ في قول هذه الكلمة ومنهم من يرى العكس، ولكن في مطلق الاحوال، لبنان لا يعيش في نعيم اصلاً ولم يعد يفصله عن قعر الهاوية سوى الخيط الامني، الذي لا يزال يلتقط كل الخطوط الاخرى المتهالكة (السياسية والمالية والاقتصادية والمعيشية والحياتية...)، وفي حال انقطع هذا الخيط، لا سمح الله، عندها نكون قد وصلنا بالفعل لا بالقول الى جهنم بشكل رسمي او الى قعر الهاوية التي لا شيء تحتها.
حاول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ادخال بلاده (كقوة عظمى) بشكل مباشر وصريح على الخط اللبناني، علّه يمسك المبادرة بيديه، ولكنه غرق في المستنقع الطائفي الذي يسبح فيه بجدارة كل اللاعبين اللبنانيين وتتولى الدول الاخرى مهمة "عامل الانقاذ" الطائفي لكل منهم، فتهبّ لمساعدة من يرعى مصالحها المهدّدة بالغرق في لبنان. لا يزال كثيرون مقتنعين بأن ماكرون يملك خطة بديلة (الخطة ب)، ولكن حتى الساعة، لم يظهر شيء منها ولا اي مؤشرات تدل على ان الوضع سيؤول الى عكس ما هو عليه اليوم. كلام الرئيس عون اوحى بما لا يقبل الشك بأن رئيس الحكومة المكلف مصطفى اديب يسير على خطى رئيس الحكومة السابق تمام سلام، الذي بقي يدور في حلقة التأليف المفرغة الى ان "داخ" واتى الفرج بعد قرابة السنة. وعليه، يبدو انه تم اطلاق يد شياطين لبنان للتحكم بجهنّمه، وهم كثر بطبيعة الحال، غالبيتهم الساحقة من الداخل فيما القلّة القليلة تبقى خارجه تراقب وتدير بعناية مخطط الشر. تسرح الشياطين في لبنان طالما ان التوافق الدولي لم يصل الى ذروته بعد، وهم سينقطعون عن ممارساتهم الشيطانية فور الاتفاق على تسوية مقبولة في المنطقة بغض النظر عن مصالح لبنان واللبنانيين، وحتى هؤلاء "الشياطين المحليين".
ومن المتوقع ان يبقى اديب يبحث عن حكومته الضائعة في دهاليز الشياطين، بحيث تشير مصادر معنية الى انه حتى ولو تقدم اديب باستقالته الى عون، فسيدعوه الاخير الى التريّث، ليس حباً به، بل لعدم القدرة على الاتفاق على سواه، ونكون عندها امام حكومة تصريف اعمال الى اجل غير محدد، وامام استحالة تسمية شخصية لتشكيل حكومة، وهو ما يعتبر قمّة الفشل. وفي هذه الحالة، ترى المصادر انه اذا ما فشلت المبادرة الفرنسيّة رسمياً، ومع سقوط كل الاوراق الاخرى، واذا لم تسرع الادارة الاميركية الجديدة (اكانت ادارة دونالد ترامب ام ادارة جو بايدن) الخطى لتسوية الاوضاع، فإن الورقة الامنيّة قد لا تصمد طويلاً، لانها ستكون "الخرطوشة الاخيرة" للعبور نحو تسوية جديدة بعد الطائف ومؤتمر الدوحة، ومع الاسف، لن تكون مستديمة، بل مرحليّة ايضاً لانها ستقوم على توزيع الحصص مجدداً، وستعود المشاكل بعد سنوات قليلة في ظلّ غياب تامّ لسلطة القضاء والشفافيّة في التعاطي المالي والاقتصادي، مع حافز اضافي لهذه الواقعة المأساوية الجديدة يتمثل بدخول فرنسا كلاعب يحاول استعادة نفوذه بعد ان كانت تتولى العلاقات الدولية باسم لبنان.
ليس اديب المنقذ، ولن يكون غيره ايضاً، ولا تهم الاسماء طالما انّ الشياطين انفسهم طليقون، وطالما ان مستنقع الطائفية لن يجفّ، لا في المدى القريب ولا في المدى البعيد، وما على اللبنانيين مجدداً سوى الانتظار وتحمّل المعاناة المتزايدة، الى ان يتفق الفرقاء الدوليون على الحل، فيعيدون شياطينهم الى حالة الركود والاكتفاء بتركيز شرّهم على عمليات الهدر والفساد والربح، فيخرج لبنان من الهاوية ويقف على حافتها مجددًا.