على مدى الساعات الماضية، انشغل اللبنانيون بالتوصيف الذي أعطاه رئيس الجمهورية ميشال عون لواقع البلاد في حال عدم الإسراع في تشكيل الحكومة العتيدة: "رايحين على جهنّم"، لكن على ما يبدو هذا التوصيف لن يبدّل من مواقف الأفرقاء المعنيين بالعقدة القائمة، على الأقل حتى الآن، بعد أن ذهبوا بلعبة التصعيد السياسي إلى الحد الأقصى.
حتى الساعة لا يزال النقاش الظاهر يتعلّق بمطالبة الثنائي الشيعي بالحصول على حقيبة المالية، إلا أنه في المقابل لدى الثنائي قناعة بأنه يتعرض لمحاولة إنقلاب، ذات أبعاد خارجية، تستهدف إخراجه من السلطة التنفيذية والإطاحة بنتائج الإنتخابات النيابية، يتولى إدارتها على المستوى المحلي رؤساء الحكومات السابقين، لا سيما فؤاد السنيورة وسعد الحريري.
في المقابل، يعتبر رؤساء الحكومات السابقين أن هناك فرصة سانحة أمامهم لإستعادة بعض ما خسروه في السنوات الماضية، لا سيما في إتفاق الدوحة، حيث يقف هؤلاء خلف رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب، طالبين منه رفض تقديم أي تنازل، على قاعدة أن إتفاق الطائف حصر مهمة تشكيل الحكومة به، بالتشاور مع رئيس الجمهورية.
أمام هذا الواقع، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى صعوبة تقديم أي طرح قادر على معالجة الأزمة بعيداً عن معادلة لا غالب ولا مغلوب التي يشتهر بها اللبنانيون، نظراً إلى أن الثنائي الشيعي يعتبر أن عدم حصوله على وزارة الماليّة سيعتبر إنتكاسة له، بينما يرى رؤساء الحكومات السابقين أن تنازل أديب في هذا المجال سيكون بمثابة الخسارة الجديدة لهم.
بالنسبة إلى هذه المصادر، الواقع الإقليمي والدولي هو الذي سمح، بشكل أساسي، لهؤلاء الأفرقاء باللعب على هذا الوتر في الوقت الضائع، نظراً إلى أن أي تسوية خارجية حول الساحة المحلية ستقود الجميع إلى تقديم التنازلات، لكنها تلفت إلى غياب أيّ مؤشرات حول إمكانية التوصل إلى مثل هذه التسوية قبل موعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية.
من وجهة نظر المصادر نفسها، ما يحصل على مستوى العلاقات الأميركية الأوروبية يضعف من محاولات الجانب الفرنسي الذهاب بعيداً في مبادرته، نظراً إلى أن باريس غير قادرة على فرض أيّ معالجة من دون موافقة الجانبين الأميركي والإيراني، ما يفتح الباب أمام إمكانية إبقاء الوضع على ما هو عليه، أي عدم سقوط مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون لكن عدم نجاحها أيضاً.
في قراءة بعض الأوساط، لم ينجح الفريقان المعنيان في تقديم وجهة نظرهما بالشكل المطلوب، الأمر الذي دفع بالخطاب الطائفي إلى الواجهة، فالثنائي الشيعي كان قادراً على الإعلان عن رفضه الإنقلاب على نتائج الإنتخابات النيابية الماضية من دون الذهاب إلى فتح باب الأعراف، خصوصاً أن ما يطالب به غير معترف به من قبل أي طائفة أخرى، لا بل هو سبق أن تنازل عنه قبل وبعد العام 2005.
في المقابل، ترى الأوساط نفسها أن رؤساء الحكومات السابقين أخطأوا في قراءة الوقائع الراهنة، من خلال رفع شعار عدم تشاور رئيس الحكومة المكلّف مع الكتل النيابيّة، نظراً إلى أنهم لا يملكون الأكثريّة النيابيّة الضامنة لنجاح أيّ تشكيلة بالحصول على الثقة في المجلس النيابي، وبالتالي هو مجبر على هذا التشاور إلا إذا لم يكن يفكر بالحصول على هذه الثقة.
في المحصلة، تعتبر هذه الأوساط أن هناك الكثير من المبررات التي من الممكن أن تقدم من قبل أي فريق لإثبات وجهة نظره، في حين أن الأزمات التي يدفع ثمنها المواطنون تتوالى وتحتاج إلى الذهاب لتشكيل حكومة بأسرع وقت، وتصف ما يحصل بمعادلة: "الشجرة تحترق ومن على رأسها يرفض أو غير قادر على النزول".