منذ اليوم الأول الذي قرّرت فيه واشنطن شنّ الحرب الاقتصادية المالية ضدّ لبنان، كان هدفها القتل بواسطة سلاح الإرهاب الاقتصادي المصحوب بالعقوبات لأجل قلب الواقع السياسي القائم لمصلحة حزب الله المقاوم وحلفائه في السلطة السياسية الذين يوفرون للمقاومة الغطاء الوطني ويعززون معادلة التحرير والانتصار «الجيش والشعب والمقاومة».
لقد ركز السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان، في توصياته أمام اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابعة للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، على ضرورة العمل لتحقيق هذا الهدف الأميركي، من خلال قوله «انّ الولايات المتحدة بحاجة إلى لعب اللعبة الطويلة وعدم السماح لإيران أو سورية أو الصين أو روسيا لاستغلال غياب واشنطن» لتعزيز نفوذهم في لبنان وموانئه…
كما ركز فيلتمان على كيفية إضعاف ومحاصرة حزب الله المقاوم، من ضمن جملة من التوصيات والاقتراحات لحماية «المصالح الأميركية في لبنان الذي يؤثر كثيراً على هذه المصالح بطرق كبيرة من خلال تكريس إيران لدورها الإقليمي وتصديرها، (اي دعمها) الناجح لحزب الله بقدراته المتقدمة التي تهدّد «إسرائيل» وغيرها من حلفاء الولايات المتحدة…»
وفي هذا السياق شدّد فيلتمان على أهمية «تقويض الشراكة بين حزب الله والتيار الوطني الحر، إذ يُعتبر جبران باسيل المهندس الأكثر مسؤولية عن قدرة الحزب على التظاهر بتمثيل حركة وطنية متعددة الطوائف»… لقد فرض هذا التحالف ما أسماه فيلتمان «قشرة من الغطاء المسيحي على حزب الله وبالتالي أصبح، حسب زعمه، الأداة الرئيسية لنفوذ الحزب المتوسع داخل المؤسسات الحكومية، وبالتالي لم يعد حزب الله مقيّداً بـ «الحصة الشيعية» في النسب الطائفية نظراً لأنه يمكن أن يعتمد على نصيب التيار المسيحي كذلك»… لهذا يرى فيلتمان «أنّ باسيل أصبح الآن تجسيداً لكلّ ما يثير غضب المتظاهرين» إلخ…
مناسبة التذكير بهذا الكلام الواضح لـ فيلتمان، إنما للفت الانتباه إلى أن ما يجري اليوم من ترجمة فريق المستقبل والقوات لهذا التوجه الأميركي بتركيز جهدهم على ضرب التحالف بين التيار الوطني الحر وحزب الله، عبر اللعب على التناقضات بين حركة أمل برئاسة الرئيس نبيه بري، والتيار الوطني، وبالتالي محاولة وضع حزب الله في موقف حرج للاختيار بين حليفين مهمّين له في المعركة لإحباط خطة الانقلاب الأميركية التي تستهدف إقصاءه وحلفاءه عن السلطة التنفيذية عبر محاولة فرض تشكيل حكومة تكنوقراط غير سياسية تكون قادرة على تنفيذ الأجندة الإصلاحية الأميركية للعودة إلى الإمساك بناصية القرار اللبناني ومحاصرة حزب الله ونزع سلاحه الذي يقلق «إسرائيل».
إنّ طرح فكرة المداورة في الوزارات كانت بمثابة «قشرة الموز» التي رماها بخبث نادي رؤساء الحكومات السابقين، بعد تسمية الدكتور مصطفى أديب لتشكيل الحكومة، وذلك لانتزاع وزارة المالية من حصة تكتل التنمية والتحرير الذي يرأسه الرئيس بري بهدف تحقيق هدفين أساسيين…
الهدف الأول، إثارة صراع بين الرئيس بري ورئيس التيار الوطني جبران باسيل، الذي يدعو بدوره إلى المداورة الشاملة في كلّ الوزارات ويرفض أن تكون أيّ وزارة مكرّسة لطائفة… وبالتالي تسعير الخلاف بين الجانبين وإحراج حزب الله…
الهدف الثاني، التعمية على الهدف الحقيقي الذي يسعى اليه نادي رؤساء الحكومات السابقين وهو رفض تشاور أديب مع الكتل النيابية لا سيما تلك التي تمثل تحالف القوى الوطنية والتيار الوطني، والإصرار على فرض تشكيلة حكومية يختارها هو بالتنسيق مع فريق المستقبل تحت اسم حكومة اختصاصيين، لا يتمثل فيها أحد من التحالف المذكور، وتنسجم مع شروط فيلتمان لإنجاز الانقلاب السياسي ومن ثم الإطاحة بالأكثرية النيابية عبر إجراء انتخابات نيابية تمكن قوى 14 آذار من استعادة الأكثرية وإعادة إنتاج السلطة على غرار ما حصل اثر انقلاب عام 2005 الذي نفذ في أعقاب جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري…
طبعاً يضع فريق المستقبل في الحسبان رفض حزب الله وحركة أمل التخلي عن حقيبة المالية، لكونها باتت وسيلة يريدها فريق المستقبل، ليس فقط لدقّ إسفين في العلاقة بين تحالف حزب الله، والتيار الوطني، وإنما لمحاولة فرض قواعد جديدة في تشكيل الحكومة مخالفة للدستور الذي يفرض تمثيل الكتل النيابية في حكومات ما بعد الطائف وفق احجامها النيابية وعلى أساس المادة 95 التي تضمن الحفاظ على الميثاقية، ريثما يتمّ إلغاء الطائفية وتطبيق الإصلاحات السياسية التي نصّ عليها الطائف…
هذا التكتيك الذي يستخدمه فريق المستقبل من خلال التحكم بعملية تشكيل الحكومة، لا يمكن إحباط أهدافه الخبيثة، إلا من خلال إدراك ووعي الهدف الأساسي الذي يسعى اليه فريق المستقبل ومن ورائه سيده الأميركي، وهو العمل على إضعاف وتفكيك التحالف بين قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر، الذي يشكل الأساس في نجاح أو فشل خطة الانقلاب الأميركية التي وضعها السفير فيلتمان…
ولهذا فإنّ المطلوب والواجب الوطني يتطلب ان يعمل تحالف القوى الوطنية والتيار على ما يلي:
1 ـ التركيز على احترام آليات دستور الطائف لتشكيل الحكومة، ورفض الانجرار إلى الوقوع في فخ الخلاف على المداورة، التي هي بمثابة قشرة الموز التى رماها فريق المستقبل.. والتركيز على رفض تشكيل حكومة تخالف الدستور، وهو ما لفت إليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من خلال توجيه انتقاده للرئيس المكلف أديب لمخالفته الأصول الدستورية في عملية تأليف الحكومة… واستطراداً رفض تشكيل حكومة أمر واقع يختار أسماء وزرائها الرئيس أديب ومن خلفه فريق المستقبل تحت عنوان أنها حكومة تكنوقراط اختصاصيين مستقلة، وبالتالي التنبّه لما قاله الرئيس سعد الحريري من أنه قدم «تنازلاً» بالإعلان عن الموافقة على قبول أن يسمّي أديب استثناء وزيراً للمالية من الطائفة الشيعية لتسهيل تشكيل الحكومة، في حين انّ المشكلة الاساسية لا تزال قائمة وهي الإصرار على أنّ الرئيس المكلف هو الذي يسمّي الوزراء وليس الكتل النيابية التي ستمنحه الثقة في البرلمان…
2 ـ العمل على وضع القضايا الخلافية جانباً في هذه المرحلة، وإيجاد صيغة للتحاور بشأنها، لمصلحة التركيز على مواجهة التحديات المشتركة التي تتهدّد لبنان وتستهدف تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر، ومن خلاله القوى الوطنية.. وهذا هو شرط نجاح أيّ تحالف، وعندما يتمّ إغفال ذلك ينشب الخلاف، ولهذا فإنّ تفاهم حزب الله والتيار الوطني، يجب أن يشمل أيضاً حركة أمل وكلّ القوى الوطنية، لأنّ المصلحة الوطنية المشتركة تقتضي ذلك، وهذا أمر ضروري لإحباط خطة الانقلاب الأميركية وأحلام فيلتمان، وإفشال محاولة فرض حكومة تخالف دستور الطائف، واستطراداً الحفاظ على الثوابت الوطنية ومعادلة الجيش والشعب والمقاومة، وإنقاذ لبنان من أزماته، وهو ما يتطلب الاتفاق على رؤية برنامجية للإنقاذ تركز على تنويع خيارات لبنان الاقتصادية عبر التوجه شرقاً لتكريس التوازن في العلاقة بين الشرق والغرب… ورفض الرضوخ لشروط صندوق النقد الدولي الهادفة إلى إخضاع لبنان بالكامل للهيمنة الاستعمارية الأميركية الغربية…