عند اندلاع أزمة الدولار في لبنان، اتّضح أن حجم الدولارات في المصرف المركزي يكفي حاجات لبنان لأشهر قليلة، ومؤخرا أعلن حاكم المصرف رياض سلامة أن مخزون لبنان من العملة الصعبة يكاد ينضب، ما سيؤدّي الى توقف دعملالمركزي السلع الأساسيّة، وهي القمح، الأدوية، المحروقات، ومؤخّرا السلع الغذائيّة، فكيف سيكون المشهد بحال رفع الدعم؟.
تؤكد مصادر مطّلعة على الوضع المالي في لبنان أن كلام سلامة عن انتهاء مخزون الدولارات ليس للمناورة، وما يملكه اليوم يكفي لشهرين على أبعد تقدير، لذلك لا يمكن أن يستمر الدعم بالوتيرة نفسها، الا بحالة دخول دولارات الى البلد وهو ما لا يبدو ممكنا حتى اللحظة، بظل الوضع السياسي القائم، وتوقّف المفاوضات بين الدولة اللبنانية وصندوق النقد الدولي.
وتشير المصادر الى أنّ سلامة أبلغ الجميع بما يملكه المصرف، إضافة الى حجم الدعم شهريا، وذلك قبل شهر آب، فتحرك المعنيّون بالأيّام الماضية لإيجاد الحلول قبل انتهاء الدولارات، والا ستحلّ الكارثة بكل ما للكلمة من معنى.
البداية من سعر الدواء، اذ تلفت المصادر النظر عبر "النشرة" الى أن الدواء بتوافق الجميع هو القطاع الذي سيبقى مظللاً بالدعم حتى آخر سنت، مشيرة الى ان كل التقديرات الحالية تؤكد أنه سيبقى مدعوما حتى شهر كانون الأول المقبل، كاشفة أنه يُعمل اليوم على إيجاد آلية لتقليص الفاتورة الدوائيّة المستوردة، عبر الاعتماد على أدوية الجينيريك، مشيرة الى أن نجاح هذه الخطوة قد يُطيل عمر الدعم حتى شهر شباط المقبل.
فيما يتعلق بالقمح، فتؤكد المصادر أن حجم الدعم انخفض بعد انفجار المرفأ بسبب المساعدات الدوليّة التي وصلت الى لبنان، مشيرة الى أن المزيد من اطنان القمح ستصل بالفترة المقبلة، الامر الذي سيسمح للمصرف بتوفير الدولارات لوقت لاحق.
أما بالنسبة الى المحروقات، فهنا الازمة الكبرى. حيث تكشف المصادر أن الخزينة تخسر الكثير جرّاء دعم هذا القطاع، ونسبة منه تذهب للجيوب عبر التهريب، فالدولة اللبنانية تدفع حوالي 5 آلاف ليرة كمعدل وسطي عن كل صفيحة بنزين تُباع في لبنان، وحوالي 15 ألف ليرة عن كل صفيحة مازوت، لانّ الاخيرة لا ضرائب للدولة عليها، وبالتالي تتحمل كل الخسائر لوحدها.
وتضيف المصادر: "بحال توقف الدعم عن المازوت مثلا سيصل سعر الصفيحة، بحسب سعرها الحالي، الى حوالي 41 ألف ليرة على أساس سعر صرف دولار 3900، أي أنّ السعر سيقفذ حوالي مرة ونصف، وبالتالي فإنّ كل ما يتعلق بالمازوت سيرتفع سعره تلقائيا، من السلع المصنّعة محليا في المصانع اللبنانيّة، الى فاتورة اشتراك المولّدات الخاصة، فعلى سبيل المثال من يدفع اليوم فاتورة اشتراك شهري 300 ألف ليرة، سيدفع حوالي 600 ألف ليرة بحال رفع الدعم، لأنّ سعر المازوت يشكل جزءا مهما من العمليّة الحسابيّة الخاصة لتسعير الكيلووات الواحد، وهذا بحال لم تتفلّت السوق السوداء لبيع المادة على أساس سعر الصرف اليومي، والذي لامس حدود 8000 ليرة، وبالتالي قد تصل فواتير الإشتراك الى حوالي المليون ليرة شهريا، ما يعني توقف المولّدات عن العمل حكما".
ولكن حتى اللحظة تؤكّد المصادر أنّ قرار رفع الدعم بشكل كامل لم يُتّخذ بعد، إنما سيكون هناك خطوات قريبة بتقليص حجمه تباعا، حيث هناك عدّة أفكار تُدرس منها تخصيص بطاقات لأصحاب المصانع وأصحاب المولّدات ولسائقي السيارات العمومية، للحصول على المحروقات بسعر مدعوم، مقابل تقليص الدعم عن الآخرين.
وأخيرا بما يخص السلع الغذائية، فتشير المصادر الى أن الدعم لن يستمر على ما هو عليه وهذا امر مؤكد، خصوصا انّه تسبب في كثير من الاحيان بالخسائر بلا فائدة، جرّاء تلاعب التجار ببيع المواد والسلع، ولضعف الدولة على المراقبة والمحاسبة، كاشفة أن الدعم سيستمر ولكن بأشكال مختلفة قد تكون مشابهة لبطاقات الدعم للعائلات الاكثر فقرا، رغم توقّعها بأنّ فكرة دعم الأسر الاكثر فقرا لن تحقّق المبتغى منها، بسبب طريقة سير الأمور في لبنان، وبسبب تضخم الاعداد بحيث وصلت الى حوالي نصف مليون عائلة وهو رقم كارثي.
لا شكّ أن توقف الدعم عن السلع المدعومة حاليا سيعني كارثة إجتماعيّة في لبنان، فهل نصل إليها أم يتدخل أصحاب المصالح في لبنان ويمدّونه بالدولارت اللازمة للبقاء؟.