لولا المظلة الفرنسية المتمثلة بمبادرة الرئيس ايمانويل ماكرون لإيجاد حل لتأليف الحكومة، لأمكن القول أن لبنان قد دخل في أزمة سياسية معقدة قد تودي به الى الهاوية، خصوصاً وأن هذا البلد الذي يعاني ما يعانيه من ازمات سياسية واقتصادية ومالية اشبه ببيت العنكبوت عاجز عن ترتيب بيته الداخلي بشكل يمكن اي ريح عاتية تهب عليه إن في الداخل او من الخارج من «خلوعة» ابوابه ونوافذه والعبث فيه الى درجة انهيار سقفه بالكامل.
وعلى الرغم من الاندفاعة الفرنسية الواضحة باتجاه تجنيب لبنان من الوصول الى مرحلة الانهيار، فإن العوامل الداخلية والخارجية ما تزال تعترض سبيل هذه المبادرة وتحدّ من اندفاعتها، مما يجعل لزاماً على اصحابها اعادة ترتيب اولوياتها وإحداث بعض التعديلات التي تمكنها من البقاء على قيد النجاح وتحقيق الهدف التي وضعت لأجله. وهذه المسلمة اصبحت واضحة لدى قصر الاليزيه الذي اعطى تعليمات الى سفيره لدى لبنان بالبقاء على استنفار كامل والتواصل وإن خلف الكواليس مع الاطراف المعنية بغية الوصول الى قواسم مشتركة تؤدي الى إحداث ثغرة في جدار الازمة يمكن الولوج من خلالها باتجاه وضع توليفة حكومية ترضي هذه الاطراف وتكون مقبولة لدى الاطراف المؤثرة في الخارج.
وفي الوقت الذي توحي فيه المناخات الداخلية والخارجية بأن رحلة تأليف الحكومة شاقة ومزروعة بحقول من الالغام، فإن صبر القيادة الفرنسية التي اخذت على عاتقها ايصال هذا الاستحقاق الى بر الامان لم ينفد بعد، وإن هذه القيادة ما تزال مُصرة على إنجاح مبادرتها ولو استدعى ذلك بعض الوقت، ولذلك فإن السفير الفرنسي في بيروت طلب منه تزخيم حِراكه باتجاه الاطراف المعنية وايصال رسائل مفادها بأن الوضع لم يعد يحتمل ترف المناورة، وان الهيكل بات مهدداً بالسقوط على رؤوس الجميع ما لم يُصَرْ الى اعتماد قاعدة التنازلات التي عادة ما كان اعتمادها يؤدي الى حلحلة الكثير من المواضيع الخلافية في لبنان.
حل مشكلة «الثنائي الشيعي» لا يعني إزاحة كل التعقيدات من أمام تأليف الحكومة
ووفق المعطيات فإن الرئيس المكلف لم يضع في ذهنه حتى الساعة فكرة الاعتذار، وهو ماضٍ في تحمل هذه المسؤولية ويواكب عن كثب ما يجري من مشاورات محلية ودولية في سبيل تذليل العقبات التي ما تزال تحول دون ولادة حكومته، لكن هذا الامر لن يستمر الى ما شاء الله.
وفي تقدير مصادر سياسية متابعة ان احتدام الخلاف الايراني- الاميركي، والدعم السعودي لموقف واشنطن، وانزعاج باريس من دور واشنطن الراهن يشكل السبب الرئيس في تأخير تأليف الحكومة في لبنان، وربما هذا الامر يمتد الى الخريف المقبل موعد الانتخابات الاميركية ما لم تبصر حكومة اديب النور من الآن وحتى بداية الاسبوع المقبل.
وتكشف المصادر عن ان الرئيس المكلف هو الآن في موقع المنتظر للرد النهائي لـ«الثنائي الشيعي» على ما اقترحه الرئيس سعد الحريري، مع ان موقف «الثنائي» ما زال على ما هو وفق ما يسري من معلومات لجهة التمسك بلائحة «العشرة» واعطاء اديب فرصة اختيار واحد وليس العكس، هذا الموقف كان الرئيس المكلف قد تبلغه صراحة من «الخليلين» موفدين من «الثنائي الشيعي».
وتلفت هذه المصادر النظر الى ان اكثر من طرف يتحرك خلف الكواليس بغية تليين المواقف وتقريب المسافات، لكن هؤلاء لم يحرزوا بعد اي تقدم ملحوظ يمكن البناء عليه والانطلاق من خلاله باتجاه تركيب «البازل» الحكومي التي ما تزال حتى الساعة مبعثرة بالكامل.
وفي هذا السياق يرسم مصدر وزاري سابق صورة قاتمة عن الوضع الحكومي، وهو يرى ان الافق الداخلي مقفل بالكامل، وان المواقف التي تطلق والمشاورات التي تجري فوق وتحت الطاولة ما تزال تراوح مكانها وكأن ما يجري حوار طرشان، حيث ان ما جرى في اليومين الماضيين حصل بضغط فرنسي بعد ان شعرت باريس انسداداً كاملاً في شرايين مبادرتها وان هذا الانسداد ربما يؤدي الى وفاتها، وتظهر معها الادارة الفرنسية في مظهر العاجز عن حلحلة الازمة في لبنان الذي ترى فيه موطأ القدم الوحيد لها في منطقة الشرق الاوسط ومن خلاله تستطيع ان تلعب دوراً في ما خص الخارطة الجديدة التي ترسم للمنطقة.
ويكشف المصدر عن ان فرنسا فتحت خطاً واسعاً مع روسيا بغية التواصل مع الايرانيين للسير بالاقتراح الفرنسي في ما خص تأليف الحكومة، وان فرنسا تلقت وعداً من الكرملين بإجراء مشاورات مع الخارجية الايرانية لكي تساعد طهران في حل الازمة في لبنان، غير ان المصدر يرى بأن طهران غير مستعجلة على تقديم اي مبادرات مجانية، وهي في مرحلة انتظار ما تسؤول اليه الانتخابات الاميركية من نتائج في الخريف المقبل.
ويسأل المصدر انه في حال نجحت الاتصالات والمساعي في معالجة ازمة «المالية» مع «الثنائي الشيعي» فكيف سيتعاطى الرئيس المكلف مع باقي الكتل السياسية في ما خص ممثليها في الحكومة، وهل ستقبل هذه الكتل بأن يسمي الرئيس المكلف ممثليها في الحكومة، ام انها ستطالب بما كان يطالب به «الثنائي» قبل تسوية مشكلته؟ ان الوضع دقيق يضيف المصدر ويقول ان المشكلة ربما تكون ابعد من حقيبة المالية بكثير.