تتزايد الضغوط الأميركية على إيران، معطوفة على عمليات تطبيع دول عربية مع إسرائيل شكّلت خطوات إستفزازية للإيرانيين الذين إعتبروا أن تلك العمليات تُنتج تهديدات أكثر جدّية ضد طهران، بسبب إحتمال استخدام الإسرائيليين لاراضي دول عربية خليجية في المعركة المفتوحة بين تل أبيب وطهران.
لا يترك وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو محطة الا ويحمل فيها على الجمهورية الإسلامية، متذرّعاً بما يروّج له بأن "إيران تشكل تهديدا للعالم ورصيداً إستراتيجياً مهماً لمعركة إنتخابات الرئاسة الأميركية". ومن هنا يأتي قرار واشنطن بتفعيل منظومة العقوبات ضد طهران، في وقت تمارس فيه إيران عمليات ضبط النفس تجاه الإستفزازت الترامبية. يترقب الإيرانيون نتائج الانتخابات الأميركية، لمعرفة مسار السياسة الأميركية، وهم لن يقدموا على اي ردة فعل ضد الأميركيين قبل معرفة نتائج تلك الإنتخابات. يُمكن هنا قراءة أبعاد ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، بأن "القيادة الإيرانية، وبحسب معلومات استخباراتية جرى نشرها، توصلت إلى استنتاج فحواه أن الطريق الأفضل للمساس بترامب في الانتخابات هي الانضباط". كما اوردت الصحيفة نفسها أيضاً أن القيادة الإيرانية مقتنعة بأن الولايات المتحدة وإسرائيل تقومان بعمليات أمنية واضحة ضد بلدها. الهدف الأميركي هو شراء ردة فعل ايرانية تخدم معركة الرئيس دونالد ترامب الإنتخابية، بينما الهدف الإسرائيلي هو في الحصول على تنازلات إيرانية في ملفات الإقليم. لذا، لم تتفاعل طهران مع أحداث مهمة يُمكن تصنيفها في إطار العدوان الخطير، مثل الانفجار في منشأة نطنز. ظهر ذلك في عدم اتهام ايران أي جهة خارجية، رغم اقتناعها بأن إسرائيل تقف خلف الحدث. وعندما عيّن ترامب إليوت أبرامز منسقاً مقابل إيران، جرت قراءة الخطوة على أنها إستفزاز من نوع آخر، بإعتبار أن ابرامز هو من الجمهوريين الحادين في عدائهم للجمهورية الإسلامية.
فهل تقف الأمور هنا عند هذه الحدود؟ لا يبدو الأمر كذلك، ويمكن رصد مسار الحملات الانتخابية، فكلما أظهرت استطلاعات الرأي ان المرشح الديمقراطي جو بايدن يتقدّم على ترامب، سيعمد الرئيس الأميركي على تشديد توجهاته ضد ايران، ليس بسبب قوة العداء لها، ولا حبّاً بإسرائيل التي يحضّه رئيس حكومتها بنيامين نتانياهو على تقليم أظافرها في الإقليم بقوة السلاح، ولا غراماً بالعرب الخليجيين الذين يعادون طهران، بل لأن ترامب مقتنع بنظرية معسكره، ومن بينهم بومبيو، بأن أي خطوة خارجية بحجم الحرب، سوف تفيده في الإنتخابات المقبلة بعد أسابيع.
هنا يروّج الإسرائيليون معلومات عن وجود خطة ترامبية لضرب قواعد عسكرية إيرانية قبالة مياه الخليج. فإذا صحّت الفرضية، يمكن الجزم بأن إيران لن تعطي فرصة لترامب بالرد، بل تشير المعلومات أن خطوتها قد تؤجل الى ما بعد انتخابات الولايات المتحدة، ولو بساعة واحدة بعد إقفال الصناديق. علما ان مصلحة طهران تكمن بتهيئة الأرضية لتكرار الإتفاق مع الديمقراطيين في حال فازوا بالعودة الى البيت الأبيض. وفي حال بقي ترامب، فهي ستعود إلى دورة الضغوط في سبيل الاتفاق لا بهدف الحرب. في الحالتين، ومع أي إدارة، سيحل الإتفاق الأميركي الإيراني بعد الإنتخابات، مهما بلغ حجم الضغوط والضرب تحت الحزام.