اللقاء الذي جمع الخليلين مع الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة مصطفى أديب، لم يفض إلى نتيجة إيجابية، لكون أديب امتنع عن تسلّم لائحة بعشرة أسماء ليختار منها وزيراً للمالية… ما يعني أنّ اقتراح رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إنما يقتصر فقط على أن يكون الوزير من الطائفة الشيعية، لكن من يختاره ويسمّيه حصراً الرئيس المكلف، وطبعاً من خلفه نادي رؤساء الحكومات السابقين، هذا هو بيت القصيد، لا يريدون أيّ شراكة في الحكومة، مع أنهم أقلية نيابية، ويرفضون أن تسمّي كتلتا التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة وزراءهما! ليس فقط لأنّ ذلك سيؤدي إلى فتح الباب أمام الكتل النيابية الأخرى لتسمية وزرائها أيضاً، وإنما لأنّ المطلوب هو فرض حكومة لا يشارك فيها أحد محسوب على حزب الله وحلفائه، ولو كان من ذوي الاختصاص، وغير حزبي. وهذا الشرط هو الذي وضعه الأميركي، ويلتزم بالعمل على محاولة تنفيذه نادي رؤساء الحكومات السابقين، بدعم سعودي مباشر للموقف الأميركي…
مرة جديدة يجري اختبار فريق المستقبل برئاسة الرئيس الحريري وتقديم المغريات له للعودة إلى المشاركة بتشكيل حكومة مساكنة… لكن التجربة تؤكد كلّ يوم وكلّ ساعة وكلّ دقيقة تمرّ، ولبنان يغرق أكثر في أزماته، أنّ الرئيس الحريري وبقية قوى 14 آذار لا يملكون حرية اتخاذ القرار.. فهم أسرى القرار الأميركي السعودي، لا يستطيعون حتى أخذ مسافة ولو محدودة، أو التمايز ولو قليلاً عنه، والسبب معروف، وهو ارتباطهم العضوي بالتحالف الغربي الاستعماري الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية.. وهذا الارتباط ، القائم على الارتهان والتبعية الاقتصادية والمادية، هو الذي يوفر للغرب القدرة على التدخل في كلّ شأن من شؤون لبنان الداخلية.. الأمر الذي جعل من تسمية رئيس مكلف لتشكيل الحكومة، ينتمي إلى هذه القوى، وسيلة غربية، وتحديداً أميركية للتحكم في عملية تأليف الحكومة، ومحاولة الضغط لفرض تشكيلة يقصى عنها حزب الله وحلفاؤه.. هذا هو سر رفض الرئيس المكلف تسلّم قائمة الأسماء المرشحة من كتلتي التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة لاختيار اسم منها وزيراً للمالية…
قد تكون تسمية أديب لتشكيل الحكومة، من ضمن رهان على الموقف الفرنسي الذي عبّر عنه الرئيس إيمانويل ماكرون بالإقرار بالتوازنات القائمة والاعتراف بتمثيل حزب الله وعدم القدرة على تجاوزه…
لكن هذا الرهان لم يأخذ بالاعتبار أنّ فريق 14 آذار، لا سيما المستقبل والقوات، محكوم بالتبعية أكثر للقرار الأميركي السعودي، وأنّ واشنطن والرياض لم تجريا بعد أيّ مراجعة لموقفهما من حزب الله، بل أنهما تذكران به في كلّ يوم عبر اتهامه بالإرهاب، (الذي هو صناعة أميركية سعودية، باعتراف الرئيس دونالد ترامب، ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون)، وتضعان، أي واشنطن والرياض، الفيتو على أيّ مشاركة مع حزب الله في الحكومة.. وموقف المسؤول في الخارجية الأميركية ديفيد هيل في هذا الصدد، بالتزامن مع موقف الملك السعودي، جاء ليؤكد هذا الفيتو، وبالتالي عدم الموافقة على خطوة ماكرون الإيجابية إزاء الموقف من حزب الله…
لهذا شكل التفريط بحكومة الرئيس حسان دياب خطأ كبيراً، ليس فقط لأنه جرى من دون مقابل وضمان تشكيل حكومة شراكة، أو بالأحرى مساكنة مع الفريق الأميركي، وإنما لأنّ التخلي عن حكومة دياب أضاع فرصة ثمينة لإحداث تغيير حقيقي في السياسات الاقتصادية والمالية التي تسبّبت، مع الحصار الأميركي، بانفجار الأزمة.. تغيير يرسي توازن في علاقات لبنان الاقتصادية بين الغرب والشرق، ويقود إلى كسر الحصار الأميركي الغربي.. وذلك من خلال قبول عروض المساعدات والمشاريع الصينية والإيرانية والعراقية والروسية، غير المشروطة، ما كان سيشكل ضغطاً على الغرب يجبره على القيام بتقديم عروض مشاريع ومساعدات مماثلة، وإلا تراجع نفوذه في لبنان لمصلحة تعزيز نفوذ دول الشرق، وهو ما كان قد حذر منه جيفري فيلتمان الذي رسم خطته على أساس منع ذلك، في حين أنّ ماكرون سارع إلى تحذير ترامب من توجه لبنان شرقاً إذا لم يسارع إلى تخفيف الضغوط الاقتصادية وتقديم المساعدات بعد كارثة انفجار المرفأ..
في كلّ الأحوال، اليوم يتبيّن بوضوح أنّ الأميركي هو الذي انقلب على المساكنة في الحكومة عندما أطاح بحكومة الحريري، وأن ذلك يندرج في سياق خطة أميركية انقلابية… ولهذا ليس هناك من إمكانية للعودة لتشكيل حكومة مساكنة، أقله في هذه المرحلة الانتقالية التي تجري خلالها الإنتخابات الأميركية..
من هنا على الفريق الوطني أن يبني حساباته وخططه على هذا الأساس.. فإذا اعتذر أديب فإنه قد يشكل ذلك فرصة جديدة لفريق الأكثرية للاتفاق على إعادة تفعيل حكومة دياب، أو الإسراع بتشكيل حكومة أكثر انسجاماً وتماسكاً قادرة على اتخاذ القرارات الجريئة للإنقاذ الاقتصادي والمالي من خلال حسم التوجه شرقاً لفرض توازن اقتصادي في علاقات لبنان الخارجية يمكنه من تحقيق مصالحه الاقتصادية والخروج من قيود العلاقة الأحادية مع الغرب…